الحج.. ذكريات ومواقف

 

في كل عام يؤذن مؤذن الحج لإيقاظ القلوب للهجرة نحو خالقها لتكن في ضيافته ورعايته. فيستجيب للأذان من لم يؤد الفرض أو من حمله إدمان الفريضة على الذهاب سنين متتالية، وبين هذا وذاك أعين ساهرة وكوادر تحلق نحو مكة قبل الحجيج.

فما إن ينتهي الموسم ونضع أثقالاً من التعب والإعياء إلا وتعالجنا الذكريات وطريف المواقف التي نستذكرها فنقهقه ضاحكين. فهذا حاج ينسى خلع مخيط الثياب ويكسوها بالإحرام وآخر يشك حتى في أنفاسه خوفاً من أن يعمل محظور، وسائقين تدور بينهم البطولات الأسطورية فيتمنى أحدهم لو يبني طابقاً آخر في حافلته يستوعب كل الحجيج الذين لا يرغبون إلا بمرافقته كما يتصور.

 أما الكادر فأتعاب وقلة نوم وراحة لا يشعر بها الحاج إلا ما ظهر منها. فذات سنة ولشدة البرد لم يجد أحدهم ما يلف به جسمه ليقيه من البرد القارس لحظات انتظار خروج الحجاج من حرم الله سوى كيس قمامة كبير أخرجه من عتاد الحملة.

ما أجمل الذكريات تتوالى ونحن نرى إدارياً في منتصف الليل يتوسد رصيف السكن وهو غارق في نومه أو كادراً يجاهد من أجل صندوق رمان يكمل به فاكهة الغذاء، فيشتريه بثلاثة أضعاف ثمنه ضريبته التندر به عام كامل.

وكادرين يحجان على دراجة نارية فيعودان بعد انقلابها بهما وهم سكارى من ضحكهما بعد تمزق إحرامهما وإصابتهما بجراح متعددة في أنحاء متعددة من جسميهما.

وبين إرهاق الساهرين على خدمة الحجيج تبرز الحاجة لمن يقتلع أتعابهم من أعماقهم، فينتظرون كلمة طيبة أو دعاء برحمة الوالدين، فهذا الرصيد المعنوي هو ما يطلبه الإداري والكادر من الحاج.

فما أروع أجواء الحج الروحية والإنسانية البعيدة التي لو تحققت بأنفس متواضعة لخرج الحاج بأفضل حجة متواضعاً إلى الله وإلى عباده الذين نذروا أنفسهم للقيام بخدمته في أبسط شؤونه. فلبيك اللهم الحج إليك..