الأفكار بين الغربلة والانبهار

 

 

 

تتولد أفكار البشر من عدة قناعات مترابطة فيما بينها تكون قد بنيت على أساس من القراءات والأحداث المتتالية. فتجد أن فلاناً باحثاً عن حالة معينة يتتبع كل ما يكتب أو يقال عنها بالسلب والإيجاب بينما آخر يبحث عن جانب محدد حول فكرة معينة يتبناها ويتجه صوب كنس كل ما يقف بطريقها وإن كان صوابا، ذلك من أجل تدعيم مواقفه من خلال الاستناد على ما يقوي رأيه.

فتجده يبحث في بطون الكتب ويتتبع أحوال الشخصيات في السالف والحاضر ليقتنص فكرة أو إشارة وإن كانت عابرة أو غير معتبرة أو بقراءة معاكسة لمفهومها المراد وفق تحليل شخصي للكلمات.

إذاً.. على جميع الصعد والاحتمالات تُصنع الأفكار وتتولد قناعات جديدة تنتقل عبر التأثير والمداولة إلى دوائر أخرى هي الأصدقاء والمقربين ومنهم إلى دوائرهم القريبة المماثلة وهكذا تتعدد الدوائر فينتج الرأي العام المؤيِد.

والسؤال: هل نتاج الأفكار والأشخاص الداعين لتلك الأفكار وكثرة أو قلة الرأي العام هي الحلقة الأخيرة في سلسلة تبني الفكرة الواحدة أو رفضها وهي المقياس لاعتبارها صحيحة من عدمها؟

إن الحالة التي يعيشها المجتمع في تجاذباته الفكرية والدينية وبشكل أكبر الاعتقادية التي باتت في السنوات الأخيرة محور حديث متكرر تتطلب معايير واستراتيجية واضحة مبنية على أدلة بينة تكون هي المصفاة التي من خلالها تُغربل الأفكار وأشخاصها لمعرفة الاتجاهات التي فيها تسير. 

فغربلة الأفكار ومختلف الدعوات ضرورة لفك الانجذاب نحو المسالك والمشارب التي قد ينخدع الإنسان بها خاصةً عندما يفتتن الله البشر بمن ظاهرهم الصلاح وحلو الكلام. والقرآن يدعو الانسان للتمحيص والبحث والغربلة حتى يميز الانسان بين الحسن والسيئ ويعرف الخبيث من الطيب ويصل إلى صفوة الشيء في مختلف شؤون الحياة.

وهذه الدعوات ليست وحسب مجرد رسالة إلهية نزلت في وقت معين ولظرف معين وإنما هذا المبدأ (التمحيص والغربلة) قانون موجود حتى في واقع حياتنا في جوانبها المختلفة.

فالمجتمع دائماً ما يعيش حالة من القلق والخوف عند دخول أفكار لا يتقبلها بغض النظر عن كونها صحيحة أو مدمرة. سنة الله هي البقاء للحق ومعرفته والذي فيه رضا لله وأهل البيت ، ف"الحق أحق أن يتبع"، و"اعرف الحق تعرف أهله" كما يقول أمير المؤمنين علي . إن جميع الأفكار والشوائب التي تعلق بالأفكار الصافية أو دخول شخصيات شائبة في أوساط المجتمعات تمر جميعها بامتحانات إلهية تميط اللثام عن وجهها الحقيقي حتى يفتتن البعض ويسلم البقية ويكونوا أكثر اطمئناناً فيما هم عليه، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ؟! (العنكبوت:2).

فالذهب عندما تصهره النار يكون أكثر صفاءً وتخرج منه الشوائب كذلك الأشخاص والأفكار فإنها تخرج وتذهب إن كانت على غير هداها الصحيح، والامتحانات للبشر هي واحدة من المراحل التي قد ينجح فيها المرء أو يسقط " أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا "..

فهل يمحص المجتمع أفكاره والداعين لها ويعرف أُسسها الصحيحة وبالتالي لديه الجرأة على رفضها والتخلص منها؟