كيف نبني شخصيتنا الإيمانية في رجب؟
ما إن يُطلّ شهر رجب الأصب حتى تتفتّح القلوب قبل الأبواب، وتستبشر الأرواح بقدومه، فهو شهرُ الله، ومحطّةُ القرب، وموسمُ البناء الإيماني.
شهرٌ لا يمرّ عابرًا في حياة المؤمن، بل يقف عنده ليُرمِّم ما تصدّع في داخله، ويغسل قلبه من غبار الأيام، ويعيد للنفس توازنها وطمأنينتها.
وحين نقرأ روايات أهل البيت
، نجدهم يُشدّدون على اغتنام هذه الفرصة الذهبية، والمسارعة إلى أعمال هذا الشهر، لأنها ليست عباداتٍ عابرة، بل برنامجٌ متكامل لبناء الشخصية الإيمانية، أو إعادة صياغتها بعد أن أرهقتها شواغل الحياة، لتعود نقيةً، مطمئنة، قريبةً من الله.
ومن برامج شهر رجب:
- الصيام… قمع الشهوات وتهذيب النفس
عن الإمام موسى بن جعفر
قال:
«من صام يوماً من رجب تباعدت عنه النار مسير سنة، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة».
الصيام ليس حرمانًا للجسد، بل تحريرٌ للروح.
هو مدرسةٌ لتربية الإرادة، وكبح جماح الشهوات، وتعويد النفس على الصبر وضبط الرغبات.
وفي محصلته، يزرع التقوى في القلب، ويجعل الإنسان أكثر وعيًا بنفسه، وأقرب إلى ربه.
الاستغفار… ندمٌ صادق وبداية جديدة
عن الإمام الصادق
، عن رسول الله ﷺ:
«رجب شهر الاستغفار لأمتي، فأكثروا فيه الاستغفار، فإنه غفور رحيم، ويُسمّى رجب الأصب لأن الرحمة تصبّ فيه صبًّا…».
الاستغفار ليس لفظًا يُردَّد، بل موقفٌ داخلي، ووقفة صدق مع النفس.
هو اعترافٌ بالخطأ، وندمٌ على الماضي، وعزمٌ صادق على صناعة مستقبلٍ أنقى.
به يُعاد بناء الإنسان من الداخل، وتُفتح له أبواب الرحمة الإلهية على مصراعيها.
الدعاء والذكر والصدقة… حياة القلب
روي عن رسول الله ﷺ:
«من قال في رجب: لا إله إلا الله ألف مرة، كتب الله له مائة ألف حسنة، وبنى له مائة مدينة في الجنة».
الذكر حياةُ القلوب، وطمأنينةُ الأرواح.
وحين يذكر المؤمن ربّه بلسانه وقلبه وسلوكه، يتغيّر من الداخل، ويشعر بسكينةٍ لا يعرفها إلا القريبون من الله.
أما الصدقة — ولو بالقليل — فهي جسرُ رحمةٍ يصل به المؤمن إلى قلوب الفقراء، فيتعلّم التعاطف، ويعيش معنى الإنسانية الحقيقي.
العمرة الرجبية… ضيافة الرحمن
قال رسول الله ﷺ:
«أفضل العمرة عمرة رجب».
وقال الإمام الصادق
:
«المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب».
العمرة في هذا الشهر ليست سفرًا للجسد فقط، بل رحلةُ روح.
هي ضيافةٌ إلهية، وموقفُ خضوعٍ وانكسارٍ بين يدي الله، تُفتح فيه صفحة جديدة مع الطاعة، ويُولد فيه الإنسان من جديد.
ختامًا
إن هذه البرامج ليست طقوسًا مؤقتة، بل مفاتيحُ تغيير.
فلنجعل من شهر رجب نقطة انطلاقٍ حقيقية، نكسر بها حالة الفتور الروحي، ونُحيي قلوبنا بالذكر والدعاء، ونُهذّب أنفسنا بالصيام، ونُشارك الآخرين هذا الخير.
ولنحرص على نشر هذه الثقافة، ودعوة من حولنا إليها، وتشجيعهم على اغتنام هذا الشهر المبارك.
ولا تدع شهر رجب ينقضي… دون أن تخرج منه بقلبٍ أقرب، ونفسٍ أنقى، وشخصيةٍ إيمانيةٍ أقوى.






