الكلمة وأثرها على الفرد والمجتمع
عندما تتقدم سنوات عمرنا فمن الطبيعي والمفترض أنْ تزداد خبراتنا وتتسع مداركنا وتمتد تجاربنا وتتضاعف ممارساتنا، وكل تلك المميزات تخضع بالدرجة الأولى إلى أسس ومعايير واضحة وجلية للعيان: كاتزان الشخصية، ورجاحة الفهم والبصيرة، وعمق الفكر، وصلاح النفس، وجميل الخلق، وكذلك سلامة القلوب ونزاهة السرائر في الأقوال والأفعال، وبعد هذا النتاج سترتسم على سلوك الشخص والجماعة ملامح النضج والوعي الاجتماعي والعامل الأخلاقي لنظفرَ بمبادئ عالية وقيم أصيلة، ناهيك عن التصرف الحكيم وإظهار ذلك في عموم المواقف التي يتوجب فيها إبراز الأساليب الصائبة والإجراءات الرزينة حتى نبلغ من الرشد والفطنة والفهم الإيجابي والصحيح أقصى درجاته وغاياته ومنتهاه.
إن أروع صور التعامل الراقي بين الأعضاء يتجسد في أمور مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر: الكلمة الطيبة وما يتبعها من مآثر عظيمة ولينة يكون وقعها على الوجدان راحة وسلاسة كما تبعث دوما على وضعٍ أكثر طمأنينة وهدوء وسكينة، فكلما دنونا واقتربنا من هذا المناخ اللطيف كلما شعرنا بالتقدير والاحترام انطلاقا من أحاسيينا الداخلية مع ذواتنا، هذه واحدة أما الأخرى تتبلور نظرتنا تجاه الآخرين ممّن حولنا بشكل مناسب وناضج وفعال.
إن التواصل الأنجع والأجدى بين بني البشر يبدأ دائما بالكلمة المشكورة والمستحقة للثناء التي تفضي بطبيعة الحال إلى علاقات تكون في مجملها أجود وتتصف بالمتانة والرفعة والوقار لتدفع نحو المحبة والتوادّ والترابط الأزكى وتكوين صحبة وفية وجاذبة يسودها أجواء سليمة آمنة تخلو إلى حد كبير من الأزمات والتوترات والشد والقلق لذا يتطلب الأمر أن نسعى جاهدين لممارسة واستخدام مفردات سلسة يسيرة وهيّنة تجاه جزئيات حياتنا اليومية، وأن نرسخ في بواطن فكرنا - بقدر الإمكان - محاسن مانحن بصدده في هذه السردية والذي أردنا أن نخبر عنه بما قصصناه آنفا ليسهم في اتساع الفضل والعطاء للأهل والخلان بشكل خاص ولمن حولنا بشكل عام.
إذًا ومما لاشك فيه أن ممارسة الأسلوب الرحيم في إظهار الرأفة للألفاظ وما نعبر عنه من أقوال حانية ونبيلة إزاء تصرفاتنا وتعاملاتنا وردود أفعالنا مع من تربطنا معهم مصالح ومنافع جوهرية متبادلة بين جميع الأطراف تحت ظرفي الزمان والمكان باعتبارنا مجبولون فطريا على التواصل بركائز إنسانية صحيحة وعادلة تحكمها معطيات مليئة بالمُثل الرصينة وزاخرة بالتعقل والحجج الراسخة حيال المعتقدات ناصعة الأثر لكل ما هو كفيل أن يجعل تلاقينا جله مليء بالدفء والهدوء والمشاعر الفاضلة لتكون للمعاني المشرقة الكلمة الفصل في إنتاج علاقات مرغوبة ومحاطة بمفاهيم فريدة كالتفضيل والتبجيل والثناء.
إن قيمتنا الحقيقية نحن معشر الإنس تكمن في مجموعة سمات وأطر يطلق عليها الأخلاق وتنحدر منها علامات وسلوكيات عدة فإن بقيت تلك الخصائص والصفات الحسنة تقدمنا وارتقينا إلى مراتب العز والشرف، وإن ذهبت وتلاشت ذهبت معها كل التصورات الصالحة والمجيدة التي هي محل إجماع للبشرية قاطبة؛ وعليه يصبح الفرد فاقدا للأهلية ولاسمه الحقيقي ونقصد هنا «الإنسان»؛ لهذا تعتبر الأخلاق أحد القواعد الرئيسة التي من خلالها تُبنى الأجيال وتشيد المجتمعات وتنهض البلدان مما يسهم في تعزيز نواحي إيجابية مختلفة كالإخاء والتكاتف والتعاون المثمر للأمم كافة أفرادا وشعوب.
ومن المعلوم أن الكلمة النقية تتصف بنزاهة اللفظ بل هي بعيدة كل البعد من الأساليب الذميمة كالشتائم والسباب وعن خدش الأعراض وإرهاق الأسماع وإيذاء الأفئدة والآذان. ومن هنا أشرفنا على الختام إخوتي الأعزاء من قارئات وقراء وبعد أن سعينا واجتهدنا فيما قدمناه لذواتكم الموقرة لطرح وعرض للرؤى والأفكار المتواضعة أردنا منها في واقع الأمر تبيان لما تحويه الكلمة من سحر للبيان ودواء لكل داء وشفاء للصدور وبلسم للجروح وغذاء للروح ومفتاح للقلوب ورحمة للشخوص ومبعث للاسترخاء والارتياح والسكون.
وإن تحقق ذلك سنظفر وننعم بحياة مليئة بالسعادة والبهجة والحبور لنصل للأهداف المرجوة للرسالة الإنسانية الطاهرة من خلال تعزيز الشعور بالتقارب والأمان وكذلك الانتماء مما يسهم في بناء مجتمع صحي خال من الضغينة والبغضاء والابتعاد عن الأحقاد والتصدي لما نواجهه من تحديات على جميع الأصعدة والمستويات والأخذ بعين الاعتبار أن بناء القيم ينشأ وينطلق من خضم الضمير السديد والقلب السليم.
ولا يتسنى ذلك إلا بالوفاء والعدل في العمل وصدق الكلم والعكس صحيح كذلك أي أن الانحدار الخلقي يبدأ بسوء النية هذا أولا وبالكلمة المؤلمة والمؤذية ثانيا أجارنا الله وإياكم من مغباتها وتبعاتها ومضارها فكلما بات الفرد حريصا متمسكا ومتشبثا بلسان عطوف ورؤف وحنون كلما صار وأضحى نموذجا يحتذى لكل ما هو متقدم ومتميز لننجز ما يراد إنجازه لننال المقصود والمنشود تجاه مجتمع أكثر وعيا وإدراكا لنسير بالوطن جميعا لطريق الأصالة والعراقة والنماء.






