فراغ.... يبتلع المعنى
إن أسوأ ما يُبتلى به الإنسان ليست الكراهية، ففيها اعتراف بوجود الآخر، ولا الغضب، ففيه برهان على أن القلب ما زال حيًا، ولا حتى الشك، ففيه دليل على أن العقل لم يفقد شغفه بالبحث.
الخطر الحقيقي يكمن في عدم الاهتمام، في تلك البرودة التي تجمد العاطفة وتفرغ الأشياء من قيمتها. فاللامبالاة ليست سكينةً ”راحة بال“ ولا حكمة ”طنش تعش“، بل فراغ يبتلع المعنى، وصمت يذيب الأصوات قبل أن تولد.
حين يغدو الجمال والقبح سواءً، ويصير الحق والباطل سواءً، ويستوي حضور الأحبة وغيابهم، نكون فقدنا وهج الحياة وعبرنا بوابة الانطفاء. عندها لا تموت الحياة فجأة، بل تذوي شيئًا فشيئًا، وتذبل أرواحنا كما يذبل غصن لم يعد يرويه ماء.
الحياة تتكامل بالحب، والجمال هو مرآة ذلك الحب؛ بهما معًا يصبح للحياة معنى. فالإهمال وعدم الاهتمام واللامبالاة هم أعداء الحب والجمال لأنهم لا يتركوا مجالًا للمواجهة ولا فسحة للتغيير، إنهم موت الروح في جسد ما زال يتحرك، وانسحاب بطيء من مسرح الحياة.
لحظة يتحول فيها الإنسان إلى شاهد بلا شعور، مراقب بلا أثر، يسير في العالم كما يسير ظلّ بلا جسد، اللامبالاة تسحب من الروح قدرة الانفعال، وتحرّف البوصلة الداخلية، فتصبح الابتسامة بلا فرح، والكلمة بلا وزن، والفعل بلا قصد، كل ما كان ينبض بالحياة يتحول إلى صدى باهت، وكل إحساس كان يذيب القلب يصبح مجرد روتين بلا طعم.
هل اللامبالاة حل في تعاملنا مع المتناقضات؟
وهل هي المسكن الذي يرحنا من وجع الرأس؟
فاللامبالاة قد تنحى منحى الحيادية السوداء لتزيد الأمور تعقيدا، وتلبس صاحبها لباس السلبية
لكن، رغم كل ذلك، يظل في داخل الإنسان شرارة صغيرة، لم تمت، تنتظر، أي إحساس، أي صرخة، لتعيد القلب للمواجهة تعيده للوجود، وتكشف أن الحياة ليست مجرد حركة ميكانيكية، بل تجربة غنية، بالحب، والجمال والمتناقضات وإن البحث جاري ومستمر عن الذات.
فاللامبالاة قد تطغى على المشاعر، لكنها لا تستطيع أن تمحوها، وما دامت هناك روح ترفض الفراغ، وما دام هناك قلب ينبض، يبقى للحب والجمال انتصارهما، وللحياة وهجها، ويبقى للأمل مكان، حتى ولو جاء متأخرًا، في أعماق اللحظة الأخيرة قبل أن يُسدل الستار.