الرجاء الانتباه......؟!

مابين دهشة الكلمة ومخاطر الواجهة الرقمية، تتسارع فيه خطواتنا نحو الفضاء الإلكتروني، أضحى الوعي مهددًا بالتآكل أمام كمّ المغالطات التي تُزرع في محيطنا يومًا بعد يوم.

لقد فرضت وسائل التواصل سلطتها على تفاصيل حياتنا اليومية، حتى تحوّل حضورها إلى هوسٍ وإدمانٍ جمعي، وإلى وسيلة سهلة وسريعة للوصول، لكنها في الحقيقة تُكلفنا الكثير معنويًا ونفسيًا.

نحن، وسط هذا الزحام الرقمي، بحاجة إلى يدٍ تُمسك بنا في منتصف الطريق.

فظلمة المكان قد تسلب النور الذي يضيء قلوبنا، وكلما طال مكوثنا في العتمة بدأ الضوء يخفت شيئًا فشيئًا، حتى يعمّ الظلام في الداخل، والظلام الداخلي أقسى وأشد حلكة من ظلام الخارج.

النصيحة مهما بدت بسيطة تظل أغلى من الذهب، لكن استقبالنا لها يختلف، فهناك من يتلقاها بعقلٍ مبرمج، وآخرون يستقبلونها بعاطفة متأججة، ومع ذلك تبقى كلمة واحدة قادرة على أن تكون باب نجاة، ونافذة تفتح أبوابًا أخرى لا تُعد.

في يوم إجازة أسبوعية، وبعد انشغال طويل، فتحت هاتفي فوجدت رسالة صوتية من شخص أثق به وأقدره، بدا صوتُه أقرب إلى تنبيه منه إلى نصيحة، لكنه أيقظ شيئًا كان نائمًا داخلي، عند تلك اللحظة شعرت أنني أقف على حافة هاوية، وعلى شفير حفرة حُفرت لي دون أن أنتبه، ولم يكن هذا الإحساس مبالغًا فيه، فالعالم الرقمي بات غاية في الخطورة، حيث يتم استدراجنا بلا وعي، واستغلال مواطن قوتنا، وتلميع الواجهات بكلام وشهادات واستكرات، يحملها للأسف، بعض من يمتلكون مكانة علمية وأدبية.

ومن هنا تنبثق مجموعة من الأسئلة أهمها

ما الهدف من شهادات الشكر والتقدير والدروع التي تُمنح للمشاركين في المنتديات الثقافية بصورة مبالغ فيها؟

هل يُراد بها جذب المزيد من الكتّاب والمساهمين؟ أم أنها مجرد واجهة لزيادة العدد والتفاعل؟

ورغم حصولي على عدد من تلك الشهادات، فإن شعورًا بعدم الارتياح ظل يرافقني، وكأن دهشة السؤال أقوى من فرحة التكريم.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل المساحة الإيجابية التي تدفعنا للمشاركة في مثل هذه المنتديات، فهي نافذة نحو عالم ثقافي أرحب يتجاوز المحلي إلى تنوّع عالمي غني،

كما أنها فرصة لتغذية الذائقة الأدبية، إذ تتعدد الأساليب وتتباين الطروحات، مما يسمح لنا بفهم كيف يفكر العالم، وما القضايا التي تشغل الساحة الأدبية، وكيف تُضاء الكلمات حتى تصبح مفاتيح للمعرفة.

هذه المبررات قد يراها البعض مقبولة، ويرى آخرون أنها بلا جدوى، فبين أيدينا الكتب، وهي أوسع أبواب المعرفة وأقدرها على تشكيل الطموحات الأدبية والفكرية والروحية، وهذا رأي يُحترم، بل أتفق معه تمامًا، لكن وبكل صدق، حين تُفتح لك نافذة على حديقة غناء، لا يمكنك إلا أن تمد نظرك للاستمتاع بجمالها، فذلك شعور لا إرادي.

بستان واسع تتلألأ فيه جماليات اللغة، وتعزف فيه نصوص الأدباء والمبدعين كأنها نوتة موسيقية بديعة، توقعها أقلام يجمعها انتماؤها إلى لغة الأم، لغة الضاد.

غير أن حالة الدهشة التي تمنحنا هذا الجمال قد تحجب عنا ما يوجد خلف الأشجار المثمرة.

هل يقف خلفها حِملٌ أم ذئب؟