حق التمتع بالجنسية

لم تكن الجنسية أو ما يسمى عند بعض الدول بالهوية، أو حفيظة النفوس، أمرا ضروريا وفي غاية الأهمية في العهد القديم، حيث لم تكن هناك حاجة ماسة للتمييز ولمعرفة الأجناس البشرية، التي كانت وقتها تكافح من أجل البقاء، وذلك لسبب تعقد الحياة وصعوبة المعيشة آنذاك. إذ إن فقدان وعدم توفر وسائل الاتصال والمواصلات في ذلك الوقت للتنقل من بلد إلى آخر، وقلة المسافرين، لم يدفع هذه الأقوام والشعوب الى تمييز هويتها، ولم يكن متعارفا عليه أن الفرد من الضروري أن يمتلك هوية أو جنسية، حتى يستطيع أن يعيش مع المجتمع القادم إليه، بل في بعض الأحيان كان عامل اللغة والقرابة والقبلية، يكفي بأن يعطي الفرد مؤهلات التعايش السلمي في المجتمع الجديد.

فتعارف الناس بعضهم على بعض، ومعرفة أصولهم ومن أي قوم، كان يتم عبر التقارب وصيغة العقد التي كانت تجري بين الفرد وبين أحد وجهاء المجتمع أو القبيلة التي يريد الالتحاق بها، أو الموالاة للدولة، أو اللغة. أما اليوم فالجنسية تعتبر الرابطة القانونية والسياسية التي تربط الفرد بالدولة، فهي تحدد انتماءه وولاءه الوطني، ولها اعتبارات هامة تنبع من أهمية التنظيم القانوني الذي تقوم به أي دولة في تجنيس رعاياها. من ضمن هذه الاعتبارات: اعتبار اجتماعي؛ مقتضاه أن الفرد يتلقى عن والديه، اتجاه الفكر ومشاعر الولاء، والتوجهات الاجتماعية والإنسانية، على أساس حق أو واجب التربية، فإذا كانت الجنسية تجسد روح الولاء والانتماء للدولة، فلا غرو أن يفترض القانون تلقي الولد، ذكرًا كان أم أنثى، مشاعر الولاء للدولة.

وبناء على هذه الاعتبار والزيادة السكانية في دول العالم، وتقسيم الدول إلى دويلات وممالك، وتطور وسائل النقل والمواصلات التي سهلت عملية التنقل والسفر، أصبح من الضروريات المهمة لكل فرد في أية دولة كان، أن يحمل جنسية أو هوية أو ما يسمى بالبطاقة الشخصية، التي من دونها يعتبر غريبا في المجتمع الذي يعيش فيه، حيث يحرم من جميع الامتيازات التي يستحقها أي مواطن، ويمنع من دخول أي بلد ما لم يمتلك الجنسية، ما عدا الحالات الاستثنائية التي تجيز له الدخول كلاجئ.

وبالرغم من أن هذا حق لكل انسان، إلا أننا نشاهد تنامي أعداد الأشخاص عديمي الجنسية في العالم، بحيث أصبحت ظاهرة عامة تنتشر في الكثير من دول العالم. ويعرف العديم الجنسية بأنهم مجموعة من الناس غير محمية وشديدة التأثر إلى حد كبير، وهم الأشخاص الذين لا تعتبرهم الدولة من رعاياها، بمقتضى أحكام تشريعاتها. وأعدادهم كبيرة.

ومع تنامي المشكلة وتعقيدها، وزيادة عديمي الجنسية، يولي المجتمع الدولي اهتماما كافيا بها، ففي دراسة معنية بحالة انعدام الجنسية، التي أعدها. الأمين العام للأمم المتحدة في عام 1949، حددت الصعوبات الناجمة عن حالة انعدام الجنسية بشكل كاف، باعتبارها على ثلاثة انواع تجابه: البلدان المستقبلة، وبلدان الأصل، والاشخاص عديم الجنسية. ففي العادة ينتمي كل فرد عادة إلى جماعة وطنية ويشعر أنه جزء منها، ويتمتع بحماية ومساعدة السلطات الوطنية، وعندما يكون في الخارج ترعاه سلطاته الوطنية وتقدم له بعض المزايا، ويتوقف تنظيم الحياة القانونية والاقتصادية الكاملة للفرد الذي يعيش في بلد أجنبي على احتيازه جنسية ما، ومجرد افتقار عديم الجنسية إلى جنسية ما يضعه في مركز شاذ ومتدن ويقلل من قيمته الاجتماعية ويدمر ثقته بنفسه.