الحضن الكبير
حباهم الله بملكة العطاء وإسعاد الآخرين؛ فأصبحوا نبعًا متدفقًا لا ينقطع متجدد النوال بكافة أنواعه سواء كان ماديًا أو معنويًا، يذوبون في تقديم البهجة فهم رِواء نفوسًا ظَمْأ للرفد، مساعيهم خدمة من حولهم، من قريبٍ أو بعيدٍ بل حتى من لا تربطهم به صلةٍ وإن كانوا عابري سبيل تراهم يغدقون عليهم من كرم أخلاقهم وطيب نفوسهم، روضوا أنفسهم على المدارة وعلي ”ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خلاصةٍ“ يتجرعون المُر ويطعمون الأخرين العسل، يضمدون الجروح وجروحهم تنزف، أيدهم تحتضن الدعاء بدوام نعمة اليد الممدودة في العون والمساعدة في كل حين وفي أي حال، فهذا وفاء النعمة وتمام الشكر.
وردة فواحة ينتشر شذاها في الأرجاء، تأنس بذكرهم، أطياف أشخاصهم سعادة، حضنٌ كبيرٌ يلم ويجمع، وملاذًا يلوذ به كل من حولهم.
شخصيات نموذج في الرقي والسمو الأخلاقي والنقاء الروحي والطهارة النفسية، قمة السعادة بالنسبة لهم أن يروا من حولهم سعداء، بسمة من ثغر مقابليهم تحول بالنسبة لهم واستدارة بوصلة الحزن إلى بوصلة السعادة، ينسون أنفسهم في مقابل الأخر، نياتهم صافية كصفاء ماءُ ناجع ٍ، فهم موضع استرخاء وراحة لمن يبحث عن الراحة والسكينة والاطمئنان دروبهم عشيبة خضراء أشجارها يانعةً يطيب قطافها دانيةً لطالبيها.
خدمة يقدمونها لأحدٍ ما يعتبرونها نجاحًا وإنجازًا لهم، يتوقون شوقًا إلى مثل هذه الإنجازات الإنسانية فهم بطبيعتهم عاطفيون، قريبي الدمعة، خيالهم واسع، ونفوسهم حالمة، شغوفون بحب الخير يغلب عليهم حسن الظن، فمعشرهم طيب.
يحملون حزنًا بداخلهم وجروحًا كثيرةً، وهذا ما يجعل قلوبهم رقيقةً كأجنحة الفراشة، يعشقون الطبيعة في بساطتها يبحرون في سفنهم الهادئة فوق الأمواج الحريرية، مجاديفهم تحركها هممهم عالية، يرمقون زرقة السماء، يحاكون شعاع الشمس المسترسلة بخيوط النور لتضيء عتمة الظلام بداية لفجر جديد، يعانقون نسمات الصباح يتنفسونها؛ فتمتلئ رئتهم بالهواء النقي الملفوف بعبق الإيمان، بأن وراء العتمة نور وبعد لليل والظلام فجر مشرق ويوم جديد.
هكذا هم في مداواة جراحهم، جمال روحهم ونضارة وجههم نابعةمن لمحة الحزن التي اعتلت محياهم، عيونهم ساحرةٌ بسبب رقرقة الدموع التي تحكي قصصًا وقصصًا، على الرغم من كتمان تلك الجراح والأحزان، فهم شعراء من غير شعر وقصائد وكتاب ماهرون من غير كتب وأقلام، لهم جاذبية خاصة، تجعلك تتعلق بهم ليصبحوا أطيافًا جميلةً تمر في خيالك، كلما تذكرتهم شعرت بالسعادة، فهذه القلوب الرحمية الملكوتية لا يكفي حبها إلا الدعاء لها.