العاملون وسنن الحياة

بعض العاملين في المجال الاجتماعي بمختلف أنشطته يجنحون إلى الانسحاب من ساحة العمل حين يشعرون بأن ما يقومون به من أجل رفعة مجتمعهم لا يلقى التقدير الكافي، أو أن هناك من يسعى جاهدا لوضع العقبات في طريقهم، أو كيل الاتهامات الباطلة ضدهم، أو غير ذلك من الأساليب العدوانية. لمثل هؤلاء نقول:

لا شك أن الأنبياء في قمة الكمال الإنساني، اختارهم الله من بين خلقه بعلمه، واجتباهم لوحيه. يؤدون الأمانة التي حملوها خير أداء، ويحرصون أشد الحرص على هداية الخلق وإرشادهم إلى سواء السبيل. ولكنهم برغم ذلك، أو نتيجةً لتمسكهم بالحق وتجسيدهم له، واجهوا جميعا أعداء شرسين يريدون إطفاء نور الله بكل وسيلة شيطانية. تلك حقيقة يؤكدها القرآن الكريم في آيات كثيرة ببيانات متعددة، نختار منها قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا» وقوله: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ».

الآية الأولى تتحدث عن سنّة كونية جارية لم تتخلف عن نبي من أنبياء الله، إذ كان لكل نبي فريق من الأعداء المجرمين المتربصين به وبدعوته وأتباعه. وهو ما تؤكده الآية الأخرى مع تفاصيل أوسع، حيث تذكر أن الأعداء فريق ذو طيف واسع جدا يشمل «شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ» المتمردين على دعوة الحق، وأنهم يتعاونون فيما بينهم من خلال الإيحاءات الشريرة المتبادلة المزينة بالألفاظ المنمقة، الخاوية من المضامين الصادقة، المشوِّهة للحقيقة، المعادية للحق، والتي ينطلي خطابها على كثيرين، فيتبعونها ويسيرون وراءها بعد أن استلبت بزخرفها عقولهم: «وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ».

الأنبياء وأتباعهم المخلصون لم يستسلموا ولم ينسحبوا، وساروا في طريقهم مهتدين بهدي الله القائل: «فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» فلم يأبهوا لتلك الافتراءات والأكاذيب، وقاوموا حتى النهاية المشرِّفة كما قال تعالى: «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».

وهكذا ينبغي أن يفعل العاملون المخلصون، فلا يتراجع قطار مسيرتهم أمام المثبّطين وأعداء النجاح.

شاعر وأديب