المرأة وعكسية الأحلام

قراءة في المجموعة القصصية « عش الحنان »، القاصة أميرة الشمر

« عش الحنان »، مجموعة قصصية تتكون 63، ورقة من القطع الصغيرة، المطبعة / منشورات دار أطياف، سنة الطباعة 1437 هـ - 2016 م.

· المرأة فريسة مجتمع، إذًا لا يحق لها الحلم البريء:

إن القاصة أميرة الشمر في مجموعتها القصصية، والتي عنونتها بعش الحنان، تمنح القارئ بأنها ستجعل من أحرفها عشًا يحتضن الكائن البشري بحنانه، ليكون هذا الكائن البشري في معظمه، هو « المرأة »، نبصرها تختزل هموم وتطلعات المرأة العربية في قالب قصصي، يعد بقالب القصة القصيرة، تدخل أعماقها، تنقب في ذاتها عن كينونة المرأة في حياتها الاجتماعية والأسرية، تغرس أظافرها في الكلمات، لتبعث في المتلقي - القارئ -، استشعاره القسري، ليشعر بها، ليحس بأوجاعها ويحتضن تطلعاتها، أرادته أن يدخل اضطرابات واقعها، لتكن فريسة ذئاب مجتمع لا هم لهم سوى الظفر بلحم شهي يشبع رغباتهم.

و هذا ما نبصره في نص « هموم فتاة »، والذي ابتدأت به مجموعتها، كتبت: جلست على إحدى الصخور تغمر رجليها بالماء، والأحزان تحاصرها من كل جهة، صخرة صماء فوق صدرها، يداها ترتعشان، وقلبها يتزايد في دقاته، تكفكف بقايا دموع..، وقالت: إنها ليست غلطتي، فالقدر أوقعني بشاب مستهتر سلب مني أغلى ما تملك الفتاة لا.. لا.. إنها غلطتي.

إنها تدخلنا في درامية حياة « تراجيدية »، تشير من خلالها إلى أن المرأة، وتحديدًا بوجود العالم الافتراضي أصبحت سلعة، لتقع في الخطيئة، الخطيئة التي إن وقع فيها الرجل، فإن المجتمع لن يجلده كما وقوع المرأة فيها، ليجلدها المجتمع جلدًا قد يجعلها عنوة خارج أسوار الحياة الاجتماعية، إلا أن الكاتبة أرادت بعث الحياة في كل من تقع فريسة مجتمع فحولي بخانته المترهلة استهتارًا بنصفه الآخر، أن تبعث فيها الحياة في عملية إيحائية ذاتية، كتفعيل عنصر المقاومة الذاتي، متحدية واقعه - المجتمع -، لتكتب: سوف أعمل لأحقق ذاتي، وأخرج من آلامي وأحزاني، لست الوحيدة، فكثير من الفتيات انخدعن وضعن، إن الاستمرار في الخطأ هو قمة الخطأ، وإن التوبة النصوح تقبل - إن شاء الله -، وسوف أقرأ وأثقف نفسي...

إن المرأة في ذهنية النص لديها، امرأة تكاملية، وتكاملها بين عنصرين، هما: الجسد والروح، هكذا كانت في نص « وقفة مع الذات »، هي تقف بشرفة الذات، تتأملها، تحاسبها في عملية استقصاء « الزمكانية »، والتي كانت سعيًا في استشراف « الخطيئة »، بمعناها الجسدي والروحي، نبصرها - المرأة -، لتكتب: وتشعر بالحزن يحاصرها وبالندم يوخزها، ثم تدافع عن نفسها، دفاع متهم في قفص الإعدام، ولكني لم أستغل هذا الجمال والشباب لجلب مال أو جاه، فلم يكن جسدي يومًا لمن يدفع أكثر، ولن يكون، فكل أملي إنسان يلمس داخلي ويهز كياني ويشعرني بإنسانيتي ويمتلك قلبي، هي توجه البوصلة فعليًا باتجاه المرأة ككيان، كيان بتركيبة أغلبها إن لم يكن كلها عاطفية، تستأنس بالحب، تهفو إليه، ولكن ليس أي حب، ليس النزوة التي تؤطر بالحب وتعجن فيه، لتلبية رغبة، أرادته - الحب -، النقي، المرآة الصافية التي تعكس الحلم، لتجعله حقيقة، لتنثر الدفء مرورًا من خصلات شعرها، ليسكن في عينيه وأصابعه، ليلمسها حنان واشتهاء، هو طهر الأنفس، ليكن أبجدية اللقاءات.

· المرأة ضحية العالم الافتراضي:

و تأتي أحلامها عكسية الحلم، ولازالت الكاتبة، تمنحنا تفاصيل معاناة المرأة بعصر تطورة فيه إحداثيات الحياة الإلكترونية، ليصبع العالم بمجمله قرية صغيرة، والتواصل أسهل بكثير من ارتشاف كأس من الماء على عجالة من الأمر، أصبحت العلاقة بين الجنسين لا تحتاج إلى مسافات شاسعة، هي مجرد أن تكون النية حاضرة، لتحضر العلاقة بكل تفاصيلها وبأمزجتها المختلفة، وهذا نجده في نص « وفاء »، كتبت: يقضي علي جل وقته في البيت على جهازه فلا يشعر بوجودنا!، إنني أشعر بالوحدة، أتوق لأيام الخطبة والعشق..، لا أدري لم يتجاهل وجودي ويقصر في حق طفله..، هي تحاكيها كغربة تعشعش في تكويننا الاجتماعي، لترى هذه الظاهرة متفشية لحد الثمالة أو بالأحرى جنون الثمالة في الكثير من الأسر بكل المجتمعات العربية، والتي بسببها كم أسرة اغتالها الفراق والتفكك والطلاق العاطفي أو البيني « الشرعي ».

· الطلاق عذابات تعيشها المرأة أرادتها أم لم ترد:

و تتجه الشمر إلى توصيف حالة - المرأة -، المطلقة، لتدخلنها في عالمها الذي صورته بالعذابات التي تدار عليها أينما أدارت طرفها في نص مطلقات صغيرات، كتبت: نعم أنا واحدة من آلاف المطلقات، ربما أنا أقدرهن على مواجهة هذه الحقيقة المؤلمة.

إن المرأة المطلقة تنتابها عذابات بسبب انفصالها عن زوجها، كتبت: إنني أرفل بالذل والهوان، أنتظر حكم الإعدام، لابسة ملابسي الحمراء، كل خطوات حولي أظنها جاءت، لتأخذني إلى مصيري الأسود، وهاهي المشنقة بحبلها الطويل تناديني، تنتظرني بفارغ الصبر، وهاهي الشائعات تعذبني وتذيقني شتى أنواع الظلم.

هي أرادت لهذا المجتمع أن يدخل مرحلة الوعي اتجاه المرأة المطلقة، مثيرة تساؤلاتها الضمنية في عملية إيحاء، هل من المنطق بمكان أن تنتهي الحياة بالنسبة للمطلقة فور طلاقها، هل تكون المطلقة أرض خصبة، لإطلاق الشائعات في أرضها وسمائها وعن يمينها وشمالها وغربها وجنوبها، نعم، نقرأ في هذا النص شفاه وأعين مقضبة حواجبها، تصرخ بوجه المجتمع، بوجه المثقفين ورجال العلم والنشطاء الاجتماعيون، لتغيير هذه النظرة الدونية بالنسبة لها، ووضعها في الزاوية التي تحفظ لها كرامتها، كتبت: نعم، لكن كيف لي بمواجهة مجتمع بأسره، كيف لي بتحمل نظراتهم ضدي، وهمساتهم التي سوف تعذبني، فأنا كالطير الضعيف المقصوص جناحيه..، نعم، مطلقات يا منار، ولكن، أليس من حقنا أن نبدأ حياتنا من جديد.

و تشد يديها في اقتحام نافذة قلما تقتحم، نافذة تركن فيها فئة تستغل المرأة باسم القيم والأخلاق والتعاليم الدينية، نبصرها في نص أشباه الرجال، توصف واقعًا ليحزننا جميعًا، واقعًا حين يلجئ فيه رجل الدين إلى استغلال واقعه هذا في تلبية رغباته ضاربًا بكل القيم الأخلاقية والإنسانية عرض الجدار، كتبت: مؤلمة هي الحياة، عندما تأخذ منا أحلامنا، ما أقسى أن تعيش امرأة في بلد لا يعير لها أهمية، ولا يحترم إنسانيتها وحقوقها..، كثيرات هن المطلقات، هي بداية لحياة جديدة وليست نهاية لحياتك، تنفست أمل الصعداء: إنه الشعور بالظلم والاضطهاد، والحسرة على سنوات عمري، التي ضاعت مع رجل يقال بأنه رجل دين، وهو لا يفقه من الدين إلا اسمه.

حقيقة، إن ما يميز هذه المجموعة القصصية « عش الحنان »، أنها تحكي قصصًا واقعية، لتدخل عالم المرأة بنسبة وقدرها، لتنقل الكاتبة للمتلقي من زاويتها كأنثى هذه المعاناة، إن اللغة التفاؤلية والطموحة في بعض النصوص، خصوصًا التي تتحدث عن المرأة، يسكبها - عش الحنان -، رونقها الخاص، وهذا برأينا القاصر يبعث الأمل الذي تحتاجه المرأة، والذي يحتاجه الرجل كذلك، إننا كمجتمع نحتاج للكلمات التي تحيينا وتبعث في ذواتنا القوة والطموح والحلم.

نع، هي عكسية الأحلام، لأن خط الاستواء لتعبره، ينبغي أن يحتضن المجتمع غربلة نوعية في المفاهيم التي يتبناها ويسير من خلالها، يحتاج إلى أن ينفض الغبار عن كتفيه ووجنتيه، ليبصر جمالية الإنسان وطبيعيته، لهذا وبرغم أن اللغة المتبعة في النصوص نوعًا ما في مجملها لغة بسيطة، تعتريها بعض الصور الجمالية البلاغية والتشبيهات، إلا أنها غير ابتكارية بمكان، وهذا لربما جاء لطبيعة المواضيع الاجتماعية والأسرية لتي تناولتها الكاتبة، حيث لجأت إلى الكتابة بهذا الأسلوب الواري المباشر، وذلك لإيصال ما أرادته للمتلقي.

في المجموعة نصوص لمواضيع مختلفة، أخذنا منها ما يخص المرأة في بعضه وليس كله، وذلك لأن أبرز ما تناولته كزاوية، هي المرأة، الكاتبة يراع يخبرنا بأنه وراء قطرات حبره، إنسانة مثقفة واعية، تدرك درامية الحياة بألوانها المختلفة، كل التوفيق للأخت القاصة أميرة الشمر، ونحن بانتظار إصدارات جديدة، تشرق من نافذة الإبداع يومًا ما.

معلم لغة عربية