مغناطيس الدم

من الطبيعي ان يجتذب المغناطيس معادن اخرى اصغر منه حجماً مثل الحديد، أو ان يكون الدم هو المغناطيس ربما يكون طبيعي ايضاً لدى بعض الحيوانات البحرية مثل اسماك القرش او البرية مثل الذئاب لوجود القدرة لديها على شم رائحة الدم والتوجه الى مكان وجوده، اما ان يكون للبشر نفس الجاذبية فهنا يجب التأمل جيداً!

ففي الدم من القوة المغناطيسية والعنفوان ما يحير العقول، خاصة اذا كان الدم المسفوك على هذه الأرض دم سفك دون وجه حق ظلماً وعدواناً، ويبقى خالداً ومتجذراً في النفس والتاريخ اكثر كلما كانت طريقة سفك الدم طريقة قاسية ووحشية بالإضافة الى شخصية الإنسان المقتول ظلماً.

وربما اكثر دم جمع العالم نحو قضيته هو الدم الحسيني الشريف الذي سال في ارض كربلاء عام 61هـ، فالدم فيه من الجذب والصلابة ما يكفي لأن يغير حركة المجتمع والتاريخ ويبدل مواقف ويلين قلوب قوم ويقسي قلوب قوم آخرين، ربما وهج الدم يفوق بعنفوانه جبروت الظلم والطغيان والاحقاد، وكلما سال الدم جذب المتعاطفين من كل مكان، فلو ان الحسين مات في حادثة او حتى قتل مسموماً لكان ذكره مثل ذكر باقي الأئمة سلام الله عليهم ولم يحظى بتميز في ذكرى شهادته المؤلمة، ولم يكن معروفاً لباقي الأمم والشعوب لدرجة ان يؤلف الكثير من الكتاب المسيحيين بعض الكتب التي تتحدث عن كربلاء كما فعل «بولس سلامه»، فلقد خطت دماء الحسين الزكية احداث التاريخ وساهمت في انعطافات تاريخية كبيرة اسقطت حكومات الظلم والقهر، فكلما اوغل الظالم في البطش كلما ترسخت قيم المظلوم وافكاره وتحققت اهدافه، وهو ما ابقى النهضة الحسينية وابقى الدين خالداً شامخاً عزيزاً قوياً.

عندما وقعت جريمة الدالوة في الأحساء على يد عصابة لم تتورع عن اراقة الدم الحرام في الشهر الحرام، ففعلت جريمتها دون خوف من الله او رادع من القانون، توجهنا يوم التشييع الى تلك المنطقة التي لم يسمع احد منا عنها شيء قبل ذلك الحدث، ولم تكن معروفة ربما حتى على الخريطة، خاصة عندما شاهدت ابناء المنطقة بقضهم وقضيضهم يتوجهون بقلوب منكسرة لمواساة عوائل الشهداء، بسبب ان اولئك قتلوا في حادثة ارهابية بشعة، ولو مات اولئك الشباب في حادث اياً يكن نوعه بالتأكيد لم يحضر حتى ربع المتواجدين في مواكب التشييع التي فاقت المائتين الف من كل بلد ومن كل حدب وصوب يلبون صرخة الدم المظلوم، وهذا بالتأكيد يعتبر علامة هامة في وعي الأمة وتعاطفها مع القضايا الانسانية.

والمتطرفين والمجرمين عندما يسفكون الدماء كأنهم لا يعلمون ان القتل يزيد المقتول حياة ويرسخ قيمه وافكاره ورؤيته في قلوب وأرواح الناس ويخلده في ضمائرهم، ويعطيه حياة مضاعفة عندهم، فالدم هو الذي اجتذب عشرات الآلاف الى تشييع ثلة من الشباب، هؤلاء الشباب ذهبوا وبقي دمهم يسيل على هذه الارض يطالب الجميع بالتوحد نحو مكافحة الارهاب والافكار المتطرفة التي تهدم الاوطان ولنا في غيرنا عبرة عظيمة!!