هل حان زمن الشارع العربي؟

 

سألني صاحبي في أمسية ثقافية: هل حان زمن الشارع العربي؟ أجبته: الأصح أن نسأل: هل حان زمن المواطن العربي؟ لأن مفردة الشارع تأخذ معنى الطريق في لغة العامة، وتأخذ اصطلاحاً معنى الدين أو القانون، وأظنك يا صاحبي لا تقصد من سؤالك الطريق أو الدين والقانون، ومن المفيد التذكير بأننا عندما نضم إلى كلمة "الشارع" مفردة "العام" كما نقول: "الشارع العام" لبلد ما كقولنا: تحرك الشارع العام في مصر، ونقصد به عامة الناس، أو الشارع السوري أو الشارع التونسي، هنا يصبح للمفردة معنى الحركة والنشاط والقيام.

السؤال أعلاه يستبطن مقارنة بين حال المواطن في بلداننا العربية بحال المواطن في الدول المتقدمة. القاعدة المعتمدة في البلدان الديمقراطية والبلدان المتقدمة، مفادها أن النظام الحاكم يستمد شرعيته من نظرية العلاقة التعاقدية فيما بينه وبين الناس، وهي علاقة لا يكفي فيها التراضي بين النظام والشعب، بل هي علاقة قائمة على مواد الدستور ولوائحه ومحكومة بها، فالنظام والحكومة يأتيان من خلال صناديق الاقتراع، والانتخابات محكومة بالدستور، والدستور أقره البرلمان والناس، والناس قد انتخبوا ممثليهم في البرلمان، فبالتالي إن المواطنين هم أساس النظام، وهم الذين يعطون النظام ديمومة بقائه أو زواله من خلال مراقبتهم له كي لا يحيد عما قد اتفقوا معه عليه، فالحكومة تصبح مجرد جهة تنفيذية في هيكل الدولة القائمة. 

لذلك نجد أن المواطنين في الدول الديمقراطية لهم وزنهم السياسي. بينما في الدول المتخلفة ليس لهم أي ثقل اعتباري. الحاكم في بلدان العالم الثالث هو الدستور والنظام والتشريع والقضاء. بيد أن تحول الدول والمجتمعات من حال إلى حال هي من سمات التغيير الطبيعية في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد والعباد. وعلى ضوء ثورات الربيع العربي، يمكننا اعتبار حراك الشوارع العربية هو محاولة لاستعادة الاعتبار للمواطن العربي. لا يعني ذلك أنه قد حان زمن المواطن العربي ليشارك في صياغة حياته اليومية ورسم مستقبل وطنه، ومن ثم رسم مستقبل الوطن العربي بالرأي والتخطيط والعمل.

أهمية صوت المواطن في الانتخابات هو ما دفع بالرئيس الفرنسي ساركوزي نحو تمرير التصويت في الجمعية الوطنية على مشروع قانون يجرم إنكار المذابح التي وقعت خلال ترحيل السكان الأرمن في آسيا الصغرى في عام 1915-1917 واعتبارها نوعاً من الإبادة قام بها الأتراك في حينه، فرغم تهديد أنقرة لفرنسا قبل التصويت، إلا أن ساركوزي تجاوز تهديدات أردوغان رغبة في كسب 400 ألف صوت أرمني في الانتخابات الفرنسية القادمة. يؤكد المحللون بأن ساركوزي قد نجح في استمالة أصوات المواطن الفرنسي، الأرمني الأصل، كناخب رغم توتر العلاقات التركية بفرنسا حالياً.

إذا حان زمن المواطن العربي نستطيع أن نقول حان زمن الشارع العربي. إذا أمسى للمواطن العربي بعض الاعتبار والوزن في المعادلة السياسية لبلاده، حينها يمكننا الزعم بأن للشارع العربي ثقل مؤثر. أما الربيع العربي اليوم، وكما نشاهد نتائج حراكه في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين، فهو محاولة ستعيد للمواطن العربي مؤقتاً بعض الاعتبار، لأن الاعتبار الدائم للمواطن، والوزن الحقيقي للمواطن، لا يأتيان إلا بدستور يُثبت ذلك، وبحالة ديمقراطية تستظل بحرية فعلية لجميع المواطنين بالمساواة والعدالة الاجتماعية.

هناك فرق بين التعاطف مع شعارات الشارع العام وبين القراءة الواقعية للأوضاع القائمة بهدف محاولة استشراف المستقبل. المواطنون كشارع عام لديهم شعار براق وجذاب هو "الشعب يريد إسقاط النظام". دغدغ الشعار المواطن الذي لم يكن يحلم به كشعار مطلقاً في زمن ديكتاتوريات تفرض نفسها بالترهيب تارة وبالترغيب أخرى مما أفقد المواطن من قيمته واعتباره.

كاتب وباحث