الوطن.. ذكرى خالدة ومعانٍ متجددة
تفصلنا أيام قليلة عن ذكرى وطنية خالدة، تصادف الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، حيث تحتفل المملكة العربية السعودية باليوم الوطني لتوحيد البلاد. ففي مثل هذا اليوم من عام 1932م صدر المرسوم الملكي التاريخي عن الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - معلنًا تحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية. لم يكن ذلك مجرد إعلان سياسي، بل كان ميلاد وطن عظيم جمع الشتات ووحّد القلوب، تحت راية التوحيد.
وبهذه المناسبة المباركة، نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وإلى ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - أيّده الله - وإلى الشعب السعودي الأبي، وإلى كل من يقيم على هذه الأرض الطيبة. كل عام وأنتم والوطن بخير وأمن ورفعة.
الوطن في القلوب:
الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو هوية وكرامة وأمان. هو التاريخ الممتد والجذور العميقة والبيت الكبير الذي يضم أبناءه جميعًا. قال تعالى:
﴿فَإِنَّ لَكَ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرًّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ﴾ [الأعراف: 24].
فالإنسان يجد في وطنه المأوى والسكينة والانتماء، ومنه يستمد قوته، وبه تتحقق هويته.
وحب الوطن فطرة جبل الله الناس عليها. وقد عبّر رسول الله ﷺ عن شدة حبه لمكة وهو يغادرها مهاجرًا فقال: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» هذا الحديث الشريف يبين أن حب الوطن شعور إنساني عميق، لا ينفصل عن الإيمان والوفاء.
مكانة المملكة العربية السعودية:
أما وطننا الغالي المملكة العربية السعودية، ففضلاً عن مكانته في قلوبنا وقلوب المسلمين، فقد زاده الله شرفًا بوجود الحرمين الشريفين فيه، فأصبح قبلة المسلمين ومهوى الأفئدة. قال تعالى:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة: 125].
من هذه الأرض الطاهرة يخرج نور الهداية، وإليها يؤم المسلمون من كل فجٍّ عميق لأداء الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف. وقد أولت الدولة - منذ عهد المؤسس وحتى يومنا هذا - خدمة ضيوف الرحمن أسمى عناية، فكانت مثالًا يُحتذى في الكرم وحسن الضيافة. وهكذا ظلّت المملكة منارةً للخير، ودارًا للأمان، وملاذًا للعقيدة.
مسؤولياتنا تجاه الوطن:
الاحتفال باليوم الوطني لا ينبغي أن يكون مجرد ذكرى عاطفية، بل هو تجديد للعهد والولاء. فالوطن له حقوق عظيمة علينا، منها:
1. الولاء والانتماء: أن نخلص لوطننا ونتمسك برموزه وقيمه.
2. الدفاع عنه: حماية حدوده ومقدساته ومقدراته من كل معتدٍ.
3. المحافظة على مكتسباته: فكل منجز تحقّق هو ثمرة جهد الآباء والأجداد ويجب أن نصونه للأجيال القادمة.
4. الالتزام بالقوانين والأنظمة: فالدفاع عن الوطن لا يقتصر على جبهات الحدود، بل يشمل الالتزام بالأنظمة الداخلية التي تحفظ الأمن والاستقرار.
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
فالوطن لا ينهض إلا بوحدة أبنائه وتكاتفهم.
حب الوطن بين القول والعمل:
قد يظن بعض الناس أن حب الوطن يقتصر على الكلمات أو على حمل السلاح وقت الأزمات، لكن المواطنة الحقّة أوسع من ذلك. فهي التزام بالقوانين، وحرص على خدمة المجتمع، وسعي لبناء صورة مشرقة للوطن في الداخل والخارج. قال الشاعر أحمد شوقي:
وللأوطان في دم كل حرٍّ ** يدٌ سلفت ودَينٌ مستحقُّ
إن حب الوطن ليس شعارًا يرفع في المناسبات فحسب، بل هو سلوك يومي يظهر في الصدق في العمل، والإخلاص في النية، واحترام النظام، وخدمة الآخرين.
إن ذكرى اليوم الوطني فرصة للتأمل والمحاسبة: هل قمنا بحق وطننا كما ينبغي؟ هل كنا سفراء خير له في أعمالنا وأخلاقنا وإنجازاتنا؟ إن حب الوطن قيمة عظيمة، يتعانق فيها الوفاء مع الانتماء، والفخر مع التضحية.
قال الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ ** وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرامُ
فلنكن جميعًا عند حسن ظن وطننا بنا، أوفياء لرايته، أوفياء لقيادته، أوفياء لتاريخه وحاضره ومستقبله، لنظل نحتفل كل عام بذكرى وطنٍ مجيد، ورايةٍ خفّاقة، ومجدٍ خالد.