النساء ومساحة الكتابة

هل هناك من فرق في طبيعة الكتابة ومستوياتها وسياقاتها حين يكتبها رجل أو حين تكتبها امرأة؟ أم إن الأمر كله مرتبط بالظروف الزمانية والمكانية لكلٍّ؟

يظهر تاريخيًّا من ملاحظة طبيعة الأعمال التي وصلتنا أن الأعمال التي ينتجها الرجال تتميز بتركيزها على الأمور التحليلية والعامة، كشؤون السياسة والحرب والجريمة، في حين امتازت كتابات النساء بالتركيز على الجوانب الشخصية والعاطفية، إضافة إلى اليوميات. ورغم أن هذا الاختلاف لا يرجع إلى أسباب بيولوجية تخص الرجل أو المرأة فإنه لم يكن البتة قاطعًا أو حتميًّا عبر حقب التاريخ، بل جاء نتيجة طبيعية لما كان يحيط بجنسي الرجل والمرأة من أحداث، وما كان يتاح لكلٍّ من فرص وآفاق حين كانت الهيمنة للسلطة ذكورية، وما يعنيه ذلك من تحكم في التعليم والعمل وغيرها من شؤون المجتمع.

فبينما أنتجت اليونان التاريخية فلاسفة كأفلاطون وأرسطو، لم نجد أمثالهم من النساء، لكن ذلك لم يمنع من بروز نساء قليلات آنذاك كالشاعرة سافو «Sappho» التي عاشت في القرن السابع قبل الميلاد وأنتجت شعرًا عاطفيًّا غنائيًّا وصلنا منه قولها: هزمني الحب كريح تهب على الجبال وتحطم الأشجار. وقولها أيضًا: كما تذبل الزهرة تحت أشعة الشمس الحارقة، كذلك يذبل الجمال حين لا يرعى بالحب، وغير ذلك من الأبيات.

وقد ارتبط الإنتاج الأدبي للنساء دائمًا، وفي كل حقبة زمنية، وفي كل بلد، بالفرص المتاحة لهن، تمامًا كما يحدث في الأواني المستطرقة في عالم الفيزياء، الذي يعني وصول السوائل الموضوعة في أوعية متصلة إلى نفس المستوى من الارتفاع بسبب توازن الضغط. لكن فكرة «الأواني المستطرقة» في موضوع الكتابة دائمًا ما كانت تصطدم بتزاحم المصالح والأهواء بين الجنسين، علاوة على الأمزجة الشخصية للجنس المهيمن «وهو الذكر غالبًا» على المساحة المكانية في كل زمن.

وهكذا فكلما أتيحت الفرصة للنساء في البروز في مجال ما كن يبدعن فيه، حتى تكاد الحدود تتلاشى في الكتابة بين الرجال والنساء، وربما تفوقن فيه على جنس الرجال رغم الفارق الزمني الطويل في مدة الهيمنة بين الجنسين.

وقد تأثرت كتابات بعض النساء ببعض القيود المفروضة عليهن حتى في بعض الدول الغربية التي يفترض أن تكون أكثر تسامحًا في هذه الأمور. ومن هذه الجوانب الكتابة بغير أسمائهن الحقيقية، كما فعلت الأخوات برونتي «شارلوت وإميلي وآن» في رواياتهن حين طبعنها بأسماء ذكور، وذلك بسبب حالة التحيز ضد كتابات النساء في العهد الفيكتوري في إنجلترا.

حدث ذلك حتى في العقود الأخيرة، مع الروائية البريطانية الشهيرة جي كي رولينغ - كاتبة سلسلة روايات هاري بوتر - التي طلبت منها دار النشر أن تكتب باسم لا يعلم منه أنها امرأة؛ بسبب اعتقاد دار النشر أن الروايات التي تكتبها نساء أقل حظًّا في الانتشار من تلك التي يكتبها رجال، وهكذا فعلت؛ حيث الاسم المطبوع على رواياتها يبدأ بحروف «جي كي رولينغ»، واستمرت على هذا النحو إلى يومنا هذا.