كم تستغرق الأعمال الكتابية من كاتبها؟
استغرق الأمر من الأديب والفيلسوف الألماني يوهان غوتة ستين عامًا لكي ينجز كتابة ملحمة فاوست الشهيرة؛ فقد ابتدأ كتابتها في عام 1772م واستمر في ذلك وفي تعديلها وتنقيحها حتى 1831م، أي قبل عام واحد فقط من وفاته. وفاوست «Faust» هي عبارة عن ملحمة شعرية فلسفية تعد من أعظم الأعمال الأدبية في ألمانيا والعالم، وقد ألهمت عددًا من كتاب الأعمال الأدبية والمسرحية الغربية.
لكن الروائي البلجيكي جورج جوزيف كريستان سيمنون «1903 - 1989م» كان يكتب رواية كاملة كل أسبوعين، حتى تمكن من كتابة 500 رواية، إضافة إلى مئات القصص القصيرة والمقالات. وفي أحد التحديات التي دخلها ونفذها أمام أعين الناس تمكن من كتابة رواية كاملة في ثلاثة أيام لكي يحصل على جائزة مرصودة.
وبين هذين المثالين مئات الأمثلة التي تعرض التفاوت الكبير بين الكُتاب والروائيين في كتابة كتبهم ورواياتهم حيث قيل إن فلوبير كتب روايته مدام بوفاري في خمس سنوات، في حين استغرقت رواية الحرب والسلام من ليو تولستوي ثمان سنوات.
أما رواية المسخ فقد تطلبت من كاتبها الروائي «الحامل للجنسية النمساوية المجرية» فرانز كافكا أقل من ثلاثة أسابيع في عام 1912، ورغم ذلك فقد عُدَّت من روائع الأدب العالمي. بينما كان الروائي الأمريكي راي برادبري «Ray Bradbury» استثناءً حين أنهى كتابة المسودة الأولى لروايته «451 فهرنهايت» في عام 1953م في تسعة أيام فقط، واستأجر لكتابتها الآلة الكاتبة من مكتبة جامعة كاليفورنيا. وقد احتاج بعدها لإجراء تعديلات عليها قبل نشرها.
وبينما استغرق الروائي السوري خالد خليفة ثلاثة عشر عامًا لكتابة روايته «مديح الكراهية»، قيل إن رواية أولاد حارتنا احتاجت من الروائي المصري حامل جائزة نوبل للأدب، الأستاذ نجيب محفوظ، عامًا واحدًا فقط لإنجازها. أما الكاتب الفرنسي مارسيل بروست فقد استغرق الأمر منه لكتابة روايته الشهيرة «البحث عن الزمن المفقود» «من عام 1909 إلى عام 1922م» وهي أطول رواية في العالم بعدد كلمات وصل إلى أكثر من مليون كلمة.
ويعود التفاوت في مدد الكتابة من كاتب لآخر إلى عدة عوامل؛ منها طبيعة العمل، واللياقة الكتابية للكاتب، إضافة إلى أنه من العسير جدًّا تحديد المدة التي يقضيها الكاتب في كتابة عمله؛ فهل يُحسَب ذلك ابتداءً من إمساكه بالقلم أو بدئه بالكتابة على لوحة مفاتيح حاسبه الآلي؟ ألا تُحتسب مدة اختمار الفكرة في دماغه وتأمله وتفكيره فيها في أيامه العادية في ذهابه وإيابه وحتى في أوقات عمله واختلاطه بالناس؟ وهذه الفترات قد تتعدى السنوات، ليبدأ بعدها بالكتابة التي تأخذ وقتًا قصيرًا مقارنة بالمدة الطويلة التي كان يفكر فيها بكتابه. أعرف كاتبًا كان يكتب مقالًا أسبوعيًّا «قد يصل إلى 600 كلمة وأكثر» قال لي إنه كان يفكر في مقاله أسبوعًا أينما ذهب؛ يقلبه يمنة ويسرة من جميع جوانبه، ولا يكتب منه حرفًا واحدًا، ثم حين يشرع في كتابته لا يستغرق منه الأمر ساعة واحدة لإتمامه. كما أن كثيرًا من الكتاب لا يكتبون أعمالهم يوميًّا، وقد تمر عليهم أيام دون أن يضيفوا سطرًا عليها، فهل تُحتَسب تلك الأيام؟
وختامًا فإن طول المدة التي يقضيها الكاتب في عمله لا يعني أبدًا كتابًا أفضل وأطول عمرًا؛ إذ يتحكم في ذلك عوامل عديدة ليس هنا مجال ذكرها.