جناحٌ واحدٌ لا يكفي

الإنسان في هذه الحياة كالطائر الذي يحتاج إلى جناحيه كليهما؛ كي يحلقَ في سماءِ دنياه، ويحقق طموحاته وآماله، ويسعد بإنجازاته. جناحاه منسجمان يلتقيان فكرًا وهدفًا، وكلٌّ يُكملُ الآخر، ولا يمكن له أن يطير بأحدهما منفردًا دون غيره، وإنْ حاول - يائسًا - فعل ذلك، فسيكون النَّصَبُ والمشقة والتعثر والتوقف ثم الفشل نتائج واقعية ومنطقية لذلك الترك الذي كان من المفترض النأي عنه، لأنه جعل حالة الضعف والوهن والعجز عناوين بارزة لعلة التخلي عن أحد الجناحين.

الطائر بما وهبه الله من قدرات وإمكانات ذكيٌّ فطن، فهو يستخدم جناحيه أثناء الطيران ويقوم بتوزيع طاقته وقوته بالتساوي بينهما، فلا يجعل الجهد على جناح دون توأمه، بل يوازن بينهما؛ حتى يسهل عليه الطيران والانطلاق والتحمل والاستمرار، فيستمتع بمشاهدة الطبيعة من حوله، ويتمكن من اصطياد فرائسه «أهدافه».

وكذلك هو الإنسان بما منحه الله من عقل واعٍ وفكرٍ خلّاق، فهو قادر على تحقيق أهدافه والنجاح في حياته، إن حقق التوازن بين جناحيه الاثنين مع فارق التكوين والصنعة عن الطائر. إن جناحي الإنسان غير محسوسين ولا مرئيين، وهما على الترتيب: الصورة الذاتية الخاصة به، والثبات والمواصلة وعدم التوقف. وسنتناول كلاً منهما على حدة بشيء من التفصيل الذي تسمح له مساحة المقال، ثم نجمع بينهما؛ حتى يكتمل المشهد ويصبح الطيران في خانة الممكن.

الجناح الأول: الصورة الذاتية وتعني: ”الفكرة أو التصور أو الصورة الذهنية التي يمتلكها المرء عن نفسه“. وهو جناح واسع فضفاض علينا أن نملأه بكل ما هو جميل وإيجابي، ولا يتحقق ذلك إلا بفهم واضح ودقيق لذواتنا، ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها، يلي ذلك تحسين الصورة وتنميتها لخلق هالة من الإيجابية حولها، ثم سقيها بوقودها الملائم لها كامتلاك المهارات والقدرات، والقراءة الموجهة والتعلم وتطوير الذات، عندها سنتمكن من الإمساك بزمام الأمور، ونسيطر على الجناح الأول، فنحركه كيف نشاء ودنما عناء، كي يكون لنا معينًا ومؤازرًا وعنصرَ قوة لا أداة ضعف.

الجناح الثاني: الثبات والمواصلة وعدم التوقف حتى تحقيق الهدف. وعلينا أن نعتني بهذا الجناح كثيرا؛ لأنه يمثل الجانب العملي والذي لا ينفك عن الجناح الأول، ومن الأمور المهمة في هذا الجناح أنه يحتاج إلى تجديد وتحديث بين فترة وأخرى؛ حتى يكون داعمًا ومساندًا لنا على تحقيق أهدافنا المرسومة وأهدافا أخرى انبثقت من أهدافنا الكبيرة.

وتجدر الإشارة هنا بأنه قد تأتينا لحظات فتور وضعف، وفترات توقف ومواقف محبطة، ولكن ذلك لا يعني أن نستسلم للعاصفة أو أن نتوقف بالكلية، بل علينا أن نقلل من سرعتنا؛ لإعادة البناء والترميم في كلا الجناحين، ومن ثم الاستئناف ومواصلة الطيران.

أن نعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على جناحينا بكل ما فيهما من ميزات وتفاصيل دقيقة، سيجعل طيراننا في فضاء حياتنا أسهل، وإنجازاتنا أسرع، وتحقيق أهدافنا أقرب، ونجاحاتنا مؤكدة إن شاء الله، ولا ننسى أنّ جناحًا واحدًا لا يكفي للطيران في عالم مليء بالتحديات والتعقيدات والعثرات.

يقول لس براون:

«انطلق باتجاه القمر، وحتى إن فشلت فإنك ستستقر بين النجوم».