أبيع كتابي ولا أُهديه

هناك ما يميز الكتاب هديةً أكثر من غيره من الهدايا؛ وهو أنه يمكن فتحه من جديد في كل مرة، كما أنه يمكن الحصول على كتاب يناسب ذوق أي شخص تقريباً، من كبيرٍ أو صغيرٍ، وامرأةٍ أو رجلٍ، وفيلسوفٍ أو مفكرٍ، ومثقفٍ أو شخصٍ عاديِّ الثقافةِ أو حتى طفلٍ صغيرٍ. كما أن من الكتب ما يبهر الناس ويشدهم، سواء من حيث الشكل أم المضمون، ويعطي انطباعاً جيداً عن الشخص المُهدِي وتأثيراً في المُهَدى إليهِ، كما يمكننا أن نتشاركه مع الآخرين، وأن يدوم إلى الأبد ويورَّث لأجيال عدة. كل هذا يجعله في الصدارة من بين الأشياء التي يمكن تقديمها هديةً.

وما يميز الكتاب بوصفه هدية أيضاً أنه في حال الرغبة في أن تكون الهدية أعلى سعراً يمكن أن تتكون من عدد من الكتب، بل يمكن حتى أن نقدم مكتبة كاملة من عشرات الكتب، لشخص ما، هديةً في مناسبة أو حفل زواج مثلاً.

وعلى رغم أننا ندعو إلى التهادي بالكتب، فإن المشكلة تحصل حينما يكون التعامل مع الكتاب بوصفه هديةً مستحقَّةً للجميع مُقَدَّمةً من المؤلف! والموقف الشائع جداً، والذي لا يحبه المؤلفون غالباً، لكن أكثرهم يخجلون من التصريح به؛ هو أن يتقدم أحدهم نحو مؤلف كتاب قائلاً، أو حتى معاتباً: «أين نسختي من كتابك الجديد؟»!

والغريب أن نجد هذا الشخص يصرف أضعاف قيمة هذا الكتاب على أمور عادية جداً، إن لم تكن تافهة للغاية عندما يذهب للتسوق، لكنه لا يريد شراء كتاب! ولطالما وجدت بعض الشبان «أو الفتيات» يحملون في أيديهم أكواب قهوة قد يصل سعر الكوب منها إلى ثلاثين ريالاً، لكنهم يأنفون دفع عشرين ريالاً أو حتى عشرة ريالات لاقتناء كتاب!

وقد أعجبتني مقولة قرأتها للشاعر الكبير محمد الجلواح «من الأحساء»، في صفحته في «فيسبوك»، قال فيها: «لماذا الكتاب فقط هو الذي يريده كثيرون هدية مجانية؟ لماذا على المؤلف أن يُهدي كتابه؟ أليس الكتاب مثل أي سلعة تباع؟ فالمبذول دون ثمن مدفوع لن يجد الاهتمام من المعطى إليه... إلا ما ندر... أنا الآن لا أهدي كتبي مجاناً... وإذا أردتُ كتاباً فإني أشتريه».

المشكلة أن الكاتب - في دول العالم الثالث على وجه الخصوص - هو الذي يتكفل بمصاريف الطباعة والنشر، ثم يتسلم عدداً محدوداً من النسخ من دار النشر، بعدها يأتيه من يطلب منه نسخاً مجانية! وغالباً ما يدفع المؤلفَ خجلُه من الآخرين إلى شراء نسخ إضافية من الكتاب الذي دفع بنفسه ثمن طباعته، لكي يوزعها هدايا على أشخاص لن يقرؤوها أبداً! وحتى لو فرضنا أنهم سيقرؤونها، فإن الكتاب والطباعة هي صناعة كبقية الصناعات؛ لا بد من شرائها كي يمكن التمتع بمزاياها.

المشكلة الأخرى، التي تأتي من تَسَلُّمِ الكتب هديةً، هي أن مستلمها لن يشعر بأهميتها، وسوف يضعها على رفوف مكتبته، أو يركنها في أي مستودع في البيت، تاركاً الغبار وعوامل الزمن تلعب بها حتى إشعار آخر ربما لن يأتي أبداً!

قد يقول قائل: إن تقديم الكتب هدايا قد يشجع الناس على القراءة. وهو أمر قد يحصل بالفعل، لكنه سيحصل بأكبر الخسائر على أهم طرف في القضية، وهو المؤلف الذي يتكبد عناء وتكلفة عملية الطباعة والنشر، علاوة على معاناته في مشوار القراءة والكتابة، ومنها شراؤه أعداداً كبيرة من الكتب التي يحتاج إليها بالضرورة في كتاباته؛ إذ لا كتابة من دون قراءة. وعليه فلا ضير في طلب الكتب هديةً، لكن ليس من مؤلفيها.

هي دعوة إلى طرفين في القضية؛ الأول المؤلفون، الذين لا يفترض بهم أن يقدموا كتبهم مجاناً للآخرين إلا بمقدار ما يقدمون أي هدية أخرى لا أكثر. ولم أر قط حفلات لتقديم هدايا مجانية كبعض حفلات توقيع الكتب، التي توزع فيها الكتب مجاناً للجميع، حتى لمن لم ولن يقرأ في حياته كتاباً واحداً، في حين أنه من المفترض أن تكون هذه الحفلات مناسبات لدعم المؤلفين؛ حين يشتري الحاضرون نسخاً من الكتب رغبةً منهم في دعم المؤلف أكثر من رغبتهم في قراءتها، حتى وإن كانت هذه الكتب لا تستهويهم.

أما الطرف الآخر فهم عامة الناس، الذين يتمنى منهم المؤلفون - وإن لم يصرحوا بذلك - ألا يطلبوا نسخاً مجانية من كتبهم، وإنما يشترونها بدلاً من ذلك، إما من أجل القراءة، وإما دعماً منهم للمؤلف ليتمكن من طباعة كتاب آخر.

ختاماً، أتمنى أن يأتي قريباً اليوم الذي تتعامل فيه مجتمعاتنا مع الكتب كأي شيء آخر، وكأي بضاعة تُرصد لها قيمة مالية لأجل شرائها، بل وتُقَدَّم على أمور أخرى كثيرة؛ لكي نسهم في تنمية صناعة الطباعة والنشر، وبالتالي الكتابة والقراءة، وهو ما يحصل في بعض الدول التي يشتري فيها الناس حتى الكتب الإلكترونية، وليس مجرد تحميلها مجاناً. وكما قال أحد المؤلفين: «أتمنى أن يأتي اليوم الذي أضع فيه لوحة في حفلة توقيع كتب، مكتوباً فيها «أبيع كتابي ولا أُهديه».

*أهم ما يميز الكتاب هديةً أنه يعمل دون بطارية