قراءة أفقية أم عمودية

يحتار بعض القراء حين رغبتهم في التوسع في القراءة أي منهج يختارونه، القراءة الأفقية أم العمودية. وقبل محاولة الإجابة عن هذا التساؤل نود توضيح أن القراءة الأفقية هي قراءة كتاب واحد أو متن واحد في كل تخصص مع تنويعها، بينما العمودية هي التبحر في تخصص واحد بقراءة معمقة ومتنوعة فيه.

والحقيقة أن لكل منهج إيجابيات وسلبيات كما أنه يمكن القول أن لكل فترة زمنية «في حياة كل قارئ» منهج مناسب لها ولظروفها. فالقراءة الأفقية ضرورية جدا في بدايات مشوار القراءة خاصة مع بدء تكوين أرضية معرفية صلبة للقارئ حيث يكون بحاجة للاطلاع على علوم متنوعة لكي يكون ملما ولو بمعرفة ابتدائية أو سطحية حولها. ولا يتوقف هذا المنهج عند هذا الحد بل يجب أن يبقى متواصلا وذلك إما بسبب تجدد بعض العلوم أو الحصول على بعض الكتب المتميزة أو بسبب شعور القارئ بحاجته إلى المعرفة في حقل ما من حقول العلم أو الأدب. لذا فإنه سوف تبقى الحاجة لهذا النوع من القراءة متواصلة طوال حياة الإنسان.

أما القراءة العمودية فهي الأخرى ضرورية جدا من أجل أن ينمو القارئ ويتميز في جانب واحد من المعرفة ويصبح بذلك أكثر عمقا ودقة في ذلك الجانب. فالنظرة السائدة حاليا هي أن عصر العلامة العارف بجميع العلوم انتهى بسبب التوسع الهائل فيها بل وتضاعف العلوم والمعلومات خلال فترات زمنية قصيرة بدون توقف. لذا فلابد من التخصص في حقل معرفي واحد وإن كان واسعا. وحتى مع هذا التخصص في القراءة فإن القارئ لن يستطيع أن يكون ملما بجميع جوانب أي تخصص ولكنه أفضل من التقافز من علم لآخر. ولا جدال بأن أغلب الاكتشافات والإبداعات والإنجازات الحضارية الكبرى في العالم إنما تحققت بفضل هذا النوع من القراءة.

ومع كل هذا فهل المطلوب قراءة أفقية أم عمودية؟

يمكن القول إن العنوان العام المطلوب هو المزج بين المنهجين، لكن تبقى الخلطة السرية المطلوبة للقراءة هي بيد القارئ نفسه فهو أعرف باحتياجاته الشخصية ومستواه المعرفي والظروف المحيطة به وانعكاس ذلك على وضعه. فقد يكون التركيز على تخصص معين «قراءة عمودية» هو المطلوب خلال فترة زمنية معينة، ثم قد يتغير بعدها ليكون التوسع في القراءة وتنويع مجالاتها «قراءة أفقية» هو المطلوب. وحتى هذه الخلطة لا ينبغي أن تكون جامدة إلا بمقدار ما تحققه من رضى داخلي قد يتحقق نتيجة قراءة مكثفة وموجهة خلال فترة زمنية محددة. ولا مانع أبدا من المزج بين النوعين «أفقي وعمودي» في وقت واحد، بل حتى قراءة أكثر من كتاب في تخصص ما أو حتى عدة تخصصات في وقت واحد. ولا ضير في قراءة عشوائية بين الفينة والأخرى في أي مجال وفي أي تخصص ولأي كاتب وحتى بأي لغة طالما أنك تقرأ وتحقق الفائدة المرجوة. وهكذا فكلما ازدادت القراءة ازداد حجم الوعي بمزيد منها وازداد الوعي بتوجيهها في المجال المناسب.

· القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب. عباس محمود العقاد