موسم زيارة الملايين تكشف عن عظمة أبي عبدالله الحسين (ع)؟

أصبح موسم زيارة الأربعين لمولانا أبي عبدالله الحسين الذي تقام سنويًّا في العراق، وتحديدًا في محافظة كربلاء المقدسة في يوم العشرين من شهر صفر، وفي هذا الموعد بالتحديد من عام هجري 61 تم إرجاع السبايا من الشام إلى المدينة المنورة وهي مقر مدينة وحكومة جدهم رسول الله المصطفى ، بعد أن قبعوا أكثر من شهر في خرابة الشام تحت سلطة حكومة يزيد بن معاوية، وبعد محاولات منه لإذلال العترة الطاهرة أمام وزرائه وحكومته وعند الرأي العام، أدَّت تلك المحاولات جميعها بالفشل وهزيمة الإعلام الحكومي الرسمي لبني أمية، الذي كان يقوده الحاكم بنفسه وهو يزيد بن معاوية، وكانت هزيمة إعلامية نكراء واجهتها السلطة الأموية لم يشهد لها مثيل التاريخ، أمام قائدة الإعلام الحسيني التي تقوده البطلة الشامخة مولاتنا عقيلة الطالبين السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، وكانت حينها تمثل المسؤول الأول في الجبهة الإعلامية للنهضة الحسينية المباركة.

وفي الطريق طلبت مولاتنا عقيلة الطالبين السيدة زينب «سلام الله عليها» المرور على قبور شهداء أبطال كربلاء وعلى رأس تلك المنارات الطاهرة منارة أخيها الضاربة في أعناق السماء سبط رسول الله مولانا أبي عبدالله الحسين ، ومنذ تلك اللحظة شكَّل هذا الأمر وهذا اليوم العظيم حدثًا إعلاميًّا عاشورائيًّا جديدًا تقوده كذلك بطلة كربلاء السيدة زينب، وكأنه الفصل الأخير لإتمام النهضة والثورة الحسينية المقدسة، لتبدأ بعد ذلك لنشر ملفها الإعلامي في كل بقاع الأرض ليصبح الحجة البالغة على كل رؤوس الأشهاد، ولكي يأخذ منه الدروس والعبر، ولأجل إظهار مظلومية قائد وأنصار هذه الثورة الحسينية المباركة لكل العالم في كل زمان ومكان.

هذا اليوم يمثل حدثًا عالميًّا يترقبه العالم ويرصد مجرياته بدقه بالغة، إذ تشكل هذه الجموع مسيرة تضامنية تجمع ملايين من البشر من كل حدبٍ وصوب من بقاع هذه الأرض المعمورة، ليأكدوا للعالم أنهم جميعًا متضامنون قلبًا وقالبًا مع قيم ومبادئ هذه النهضة الإنسانية الإصلاحية، وأنهم ضد خط قيم الشيطان والإنسانية الذي تقوده حكومة بني أمية المتمثلة في شخص يزيد بن معاوية ومن يجسده في كل عصر.

وهنا نرى تعمد وتجاهل بعض المؤسسات الإعلامية العالمية بعدم اهتمامها بالأحداث المرتبطة بالإسلام والمسلمين وخاصة في المواقف الذي تبرز الإسلام والثقافة الإسلامية، ويشاركهم في هذا التجاهل الظالم بعض المؤسسات الإعلامية المحسوبة على الأمة العربية والإسلامية وهذا ما يؤسفنا، بل بعض من هذه المؤسسات الإعلامية من تنتمي عقديًّا إلى مذهب أهل البيت ، إذ لا نرى في إعلامهم مادة إعلامية ضمن برامجهم اليومية مرتبطة بهذا الحدث الكبير والمهم.

حين تجد إعلامهم وقتها يضج بالسخافات والموبقات، فضلًا عن أنه يجري ويزحف ليل نهار وراء بعض الأحداث الخصوصية لقوميات لا تمس هويتهم ولا ثقافتهم ولا دينهم ولا مجتمعاتهم، لأن هذا الحدث مرتبط بقوميات خارج أطر محيطهم، ويعبر عنها بالمجتمعات الحديثة والتقدمية، وتظن أن ما تقوم به هذه المؤسسات الإعلامية من تغطية أحداث لا يربطها بهم دين ولا ثقافة سوى أن دولها تعد من الدول المتحضرة والمتقدمة صناعيًّا وتكنلوجيًّا وإن كانت تلك الفعاليات تُعنى بثقافة التفسخ الأخلاقي والداعية إلى الرذيلة.

بعد نمو هذه المناسبة الأربعينية المقدسة عامًا بعد عام، والذي تحسَّس بشعائرها كل أصحاب الضمائر الإنسانية منذ انطلاقتها حتى وقتنا الحاضر، وأصبح زوارها يعدون بالملايين من البشر القادمين لإحيائها من كل فج عميق والتشرف بالمشاركة في أجوائها الحسينية والروحية، بعد أن قطعوا أميالًا من المسافات الطويلة وسط البراري والبحار والمحيطات معرضِّين أنفسهم للمخاطرة في سبيل وصولهم إلى بقعة الخلد والفتح المبين، فقد شكلت هذه الشعيرة ثقافة إسلامية أصيلة وتربية إنسانية وتعاليم دينية لا نظير لها على الواقع الإنساني والديني، ولو بحث الباحث فيها فلن يجد مثيلًا ولا نظيرًا لها نتيجة أبعادها ومضامينها العالية.

زيارة الأربعين معجزة كونية لأنها صناعة عاشورائية، وهي امتداد المشروع الإصلاحي الذي أطلقه أبو عبدالله الحسين لمواجهة كل طاغية ظالم ومحاربة كل المشاريع الفاسدة الحاضرة والمستقبلية ما بقيت الأرض ومن عليها، لهذا شُنَّ على مشروع زيارة الأربعين منذ ولادته حتى وقتنا الحاضر أنواع الحروب الشرسة من قبل السلطات الظلمة وغيرها لطمس ثقافتها وطمس كل المعالم الحسينية المباركة، والتخطيط جارٍ منذ عهد بعيد من قبل أعداء الإسلام حتى يومنا هذا وإلى يوم الدين، لأجل محو ذكرى وتراث وثقافة ومضامين تلك النهضة الإسلامية المحمدية الحسينية الخالدة، ولكن نجد قدرة الله وإرادته سبحانه حفظتها من أيدي كل الطواغيت والعابثين.

وقد أثبتت زيارة الأربعين وزيارة الإمام الحسين بشكل عام في كل زمان، أن كل من يقف ضدها وضد شعائرها بأي شكل من الأشكال فهو مهزوم وخاسر، وقد سجل التاريخ من كانوا قبلنا وما شهدناه نحن بالرغم مما كانت تمتلكه تلك الجبهات المعارضة لهذه الشعيرة المقدسة ومن ضمنها الحكومات التي وقفت موقفًا مخجلًا ومخزيًّا أمام هذه الشعيرة وأتباعها، ووظفوا إمكانياتهم الضخمة من الإعلام وغيره، ليشنوا أشرس أنواع الحروب المتتابعة ضد الزوار الذين كانوا يتقاطرون على القبر الشريف من كل حدب وصوب.

ويكشف لنا التاريخ والحاضر موقف الموالين أمام تلك التمردات التي تقودها تلك الأنظمة والجماعات الفاسدة في محاربتها لهذه الشعيرة المقدسة، وآخرها ما قام به النظام البائد وحزبه البعثي الصدامي من جرائم تتفطر لها الإنسانية من شدة بشاعتها، حين واجه الزوار أبشع أنواع التعذيب وهتك الحرمات والقتل، حتى الأطفال والرضع لم يسلموا من أيدي جلاوزته وبطشهم الظالم، وكان ذنبهم الوحيد أنهم كانوا أبناء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، بل امتد الظلم والبطش والقتل والتعذيب إلى عشائرهم من كبار السن بالرغم من أن أقدامهم لم تطأ أرض كربلاء المقدسة لعجزهم الجسدي.

أثار مشاعري مشهدٌ عندما كنت انتقل بين القنوات الفضائية لمشاهدة ومتابعة فعاليات زيارة الأربعين لهذا العام 1443 هجري، فاستوقفني تقريرٌ لأحد الصحافيين الذين يقومون بتغطية الحدث الكبير على أرض كربلاء المقدسة، يذكر فيه أن عدد زوار الأربعين لهذه العام بلغ ما يقرب ستة عشر مليون زائر، وقد يصل إلى عشرين مليونًا، مع أن هناك بعض الدول كان عندها تحفظ لسفر مواطنيها إلى العراق في هذا الوقت بالتحديد نتيجة جائحة كورونا، وعلى الواقع لم يذكر تسجيل حالة واحدة تخص هذا الوباء العالمي حسب ما يذكره التقرير الأخباري، وهذا يحسب وبلا شك فيه على أنها واحدة من كرامات أبي عبدالله الحسين لهذه الجموح من زواره الأكارم «حفظهم الله».

ومن هنا أشير لزاوية في غاية الأهمية، وأتساءل: أين مساهماتنا الإعلامية لهذه المناسبة الشريفة؟ إننا خارج إطار البقعة المقدسة «كربلاء» دورنا محدود في نشر هذه الفاعليات الأربعينية وشعائرها المقدسة عبر حسابات التواصل الاجتماعي الافتراضي، بما لهذه الحسابات من دور كبير في وسط الإعلام العالمي، وخاصة من له مجموعات كبيرة ووافرة من المشتركين والمختلفين في الأجناس والديانات والبلدان والثقافات المتنوعة، في إيصال الثقافة الحسينية إلى أيديهم، وبهذا نكون قد ساهمنا في نشر الثقافة الحسينية المباركة، ولو بسلام على الحسين بواسطة تلك الحسابات التي تشكل مجتمعًا بشريًّا افتراضيًّا، تنال فيه الأجر والثواب كما ورد في الكثير من الروايات عن الأئمة الأطهار ، فلا تحرموا أنفسكم من المشاركة والمساهمة ولو بهذا المقدار البسيط من العمل ليكتب لكم الأجر العظيم، ولعله يكون هذا العمل القليل وغير المكلف شفيعًا لنا عند الله ومنقذنا من جحيم عذابه بما اقترفته أيدينا من الذنوب والمعاصي، وكما ورد الحديث الشريف: ”مكتوب عن يمين العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة“.

ونتذكر قول الإمام الحسين حين قال: ”إنا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم“.

كاتب رأي، وموظف في القطاع المصرفي.