هل غيَّرت مواقع التواصل نمط العلاقة بين الجنسين؟

لم تعد المرأة اليوم غائبة، أو مُغيَّبة، في مشهدنا الاجتماعي، كما كان حالها في أزمان سابقة، نتيجة النظرة الدونية لها، والتقليل من شأنها. فقد ساهم التقدم التقني المطرد، وما صاحبه من تحولات على المستوى الثقافي والاجتماعي، في تغيير النظرة السلبية لها، خصوصاً بعد أن ارتقت بمستواها التعليمي والثقافي والفكري إلى مستويات متقدمة، وأصبح حضورها واقعاً مشهوداً في مختلف ميادين الحياة، وجزئاً من الدورة الاقتصادية، وفي سوق العمل، إلى جانب الرجال، بالإضافة إلى ممارستها أدواراً اجتماعية وثقافية مختلفة الأوجه.

ولسنا بحاجة إلى أن نفيض في تبيان مستوى هذه التحولات، فالعصر الذي نعيشه لم يعد كما سبق من عصور، حيث اختلفت المفاهيم، وتلاشت الحواجز. وتطورات الحياة في عصرنا الحاضر فرضت الانفتاح والتداخل في العلاقات بين الجنسين، بعد زمن كان السائد فيه الانفصال والتباعد في الحياة العامة. فالجنسين من أبناء هذا الزمن يلتقون ويتواصلون مع بعضهم البعض على أرض الواقع، كما هم يتواصلون افتراضياً من خلال أجهزة الاتصال الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن دون أي حواجز تذكر.

إن المرأة اليوم لها حساباتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتحدَّث في مجتمع الرّجال، وتخطب أمام النّساء والرّجال، وتكتب وتتحدَّث عبر وسائل الإعلام، وتشارك في النّدوات والحوارات، وتناقش كل ما يطرح من مواضع وقضايا تخص المرأة والأسرة وتهم المجتمع، وتتبادل الأفكار مع الجميع، وعلى رؤوس الأشهاد، من دون خوف، أو حرج، أو فقدان للثقة.

والصراحة تقتضي القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت الباب في شكل واضح على التواصل المباشر بين الجنسين في مجتمع محافظ كان يردد دائماً أن صوت المرأة عورة، ويدين أي حوار بين ذكر وأنثى مهما كان موضوعه، ويتشدد في منع مثل هذا التواصل انطلاقاً من آراء دينية، أو تقاليد اجتماعية، غير أن هذه المواقع ساهمت بدرجة ما في تبسيط العلاقة بين الجنسين وسهلت التعامل بينهما، إذ كان من الصعب سابقاً معرفة الجنس الآخر ومتطلباته وطبيعته في بيئة محافظة، وهو الأمر الذي يؤشر إلى ما حدث ويحدث من تغيير في الحياة الاجتماعية.

من جانب آخر لم يعد الرجل اليوم يمارس الحجر على المرأة ويحرمها من ممارسة أي نشاط، أو ويغيبها عن مشاركة الآخرين ممارسة أدوارها الاجتماعية. فمستوى وعي المرأة وعلو درجتها العلمية والثقافية جعلت من الرجل يعترف بحقوقها ويثق بها، بل ويشجعها على أن يصبح لها شأناً في المجتمع الذي تعيش فيه. فبعد أن كانت مجتمعاتنا تتحرج من ذكر اسم المرأة والبوح به، ها هو الرجل/الزوج لا يتحرج، أو يخجل، أو يمتعض، من أن يكون لزوجته حساباتها الشخصية والخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحمل اسمها الحقيقي وليس اسماً مستعاراً.

لقد بات من الواضح أن ذكر اسم المرأة، وكتابة اسمها الحقيقي، والكتابة باسمها الصريح، وفتح حساب شخصي باسمها الحقيقي على مواقع التواصل الاجتماعي، يعد تحولاً كبيراً في مجتمع محافظ يعتبر ذكر اسم المرأة عيباً، ويخجل الرجل فيه من ذكر اسم المرأة وظهوره، ويمتعض حين الافصاح عنه، ويتحرج من النطق به. أما اليوم فإن حساسية المجتمع وثقافته تجاه هذا الموضوع أخذت في التحول بشكل كبير، وقلت حدَّتها كثيراً عمّا كانت عليه في أزمان سابقه.

وجلي بأنه مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي أصبحنا نلاحظ ظهور الحسابات ذات الأسماء الحقيقية حسب قول ”حسن الشمراني“، مضيفاً بأن "مما يلفت الانتباه هو وجود حسابات بأسماء نسائية حقيقية. وهذه الخطوة الجريئة تمثل تحولاً كبيراً في بيئة اجتماعية محافظة. فارتفاع نسبة التعليم وازدياد الوعي بين النساء أدى إلى ممارستهن حقوقهن الطبيعية في إظهار الاسم الحقيقي عبر حساباتهن الشخصية، وهو ما يمثل الهوية الحقيقية للإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، وليس من حق أحد أن يحتكر ذلك، فالمرأة هي الأم والأخت والابنة والزوجة، والنساء شقائق الرجال، لكن مع الأسف هناك من ساهم في إخفاء هويتها، وجعل مجرد النطق باسمها خطيئة يجب أن يعاقب فاعلها.

ويضيف ”الشمراني“ أن هذا التحول والمتمثل في أن تكتب المرأة باسمها الصريح سيحفظ للمرأة هويتها، ويحفظ كذلك جهدها الإبداعي من السرقات والتعدي. لذلك نحن بحاجة إلى وعي مجتمعي يفضي بنا إلى احترام حقوق الآخرين. وإذا كان هناك من سلبيات قد تنتج عن هذا العمل فهي بعض الممارسات التي قد يفعلها البعض، ممن يتسمون بقلة الوعي، وعدم احترام الآخر". «1»

لقد ساهمت تكنولوجيا الاتصال والتواصل، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، في تغيير الكثير من المفاهيم لدى الناس في المجتمعات المحافظة، وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين. فإذا كانت الأجواء الاجتماعية، وظروف الحياة في عقود سابقة، تفرض التباعد والانفصال في العلاقة بين الجنسين، إلا أن الظروف اليوم تغيرت، وأصبح التداخل والتواصل بين الجنسين أمراً واقعاً لا مفر منه.

ومع ذلك، فإن هذا التطور وما رافقه من رقي في المستوى الثقافي والاجتماعي، فضلاً عن تطور مستوى وعي المرأة ودورها الاجتماعي وامتلاكها الثقة والجرأة لا يعني أن الأمور وصلت لمستوى الكمال، وتخلو من الشوائب والسلبيات، ومن التصرفات الغير سوية، والممارسات الخاطئة، والتجاوزات المخلة بالأدب والأخلاق.

والمؤكد أن ليس هناك ما يمنع التواصل والعلاقة العادية الطبيعية بين الرجل والمرأة عبر أي وسيلة في كل ما هو مشروع ومباح، فهما اليوم شركاء وزملاء في مواقع العمل والسوق، أو على مواقع التواصل، إلا أنه حين يرتكب أحد خطأ ما، فإن ذلك لا يعني أن هناك خلل في شرعية التواصل، بل يعني أن الخلل يقع على عاتق من يقع منه الخلل. فما يحدث من تصرفات غير سوية يعود إلى الفرد، وانعكاس لما هو عليه من تربية وأخلاق وأدب ودين وورع وإيمان.

ينبغي القول بأنَّ حجم التحدّيات أمام الإنسان تكبر يوماً بعد يوم في ظل هذا الانفتاح العالمي، وما يسمى بعصر العولمة وتحولاته السيالة والمتدفقة، وانتشار وسائل التّواصل المشرَّعة على مصراعيها على المغريات، والوسائل الإعلاميّة التي تزيّن المعاصي والانحراف، وهو ما يستدعي الاهتمام ببناء شخصية الإنسان روحياً وإيمانياً وثقافياً وسلوكياً، ليكون محصناً ضد الانحرافات، وقادراً على وقاية نفسه من سلبيات الأجواء المفتوحة، وهو دور تقع مسؤوليته على عاتق الآباء والأمّهات، فضلاً عن دور المؤسّسات التربويّة والاجتماعيّة والدينيّة.

1 - زوجتي على توتر وقلبها معي. تحقيق مريم الجابر. جريدة الرياض. 05/10/2013