بين الروايات والأفلام
حين تتحول الروايات إلى أفلام فهي إما أن تزيد من شعبيتها وإما أن تعطي انطباعًا سلبيًّا عنها. لكن هناك فرق بين أن يأخذ أحدنا فكرة عن رواية من كتاب أو من فيلم؛ فعبر الكتاب يبذل القارئ جهدًا كبيرًا في القراءة وفهم أحداث الرواية مرورًا بكلمات وتعابير قد تكون جميلة ورائعة، وقد تكون صعبة لكونها لغة أدبية، في حين تأتي هذه المعلومات في الفيلم بسرعة البرق؛ إذ يختصر سطورًا بل ربما صفحات عديدة في لقطات سريعة.
فلو افترضنا أن رواية ضخمة كرواية «البحث عن الزمن المفقود» للكاتب الفرنسي مارسيل بروست، التي تعد أطول رواية في العالم، بعدد كلمات يبلغ أكثر من مليون كلمة، تُعرَض فيلمًا يمتد ساعة أو ساعتين، فماذا عسى الفيلم أن يلم من هذه الرواية التي أتت على تفاصيل التفاصيل؛ لدرجة أن يصف فيها الكاتب تململ أحدهم على سريره قبل النوم في ثلاثين صفحة لوصف مخدته وحالته قبل نومه؟ هذا وفي الرواية يتاح للقارئ المجال للتحكم في رسم صور في ذهنه عن الشخصيات والأماكن بينما يأتي ذلك على طبق من ذهب في الأفلام.
كما تعتمد الفروق التي تحصل بين الرواية والفيلم على مساحة الحرية التي يمنحها المؤلف «أو ورثته من بعده» لكاتب سيناريو الفيلم لإجراء تغييرات في أحداثها، أو ترتيب الأحداث، أو حتى التركيز على أحداث دون أخرى، أو غير ذلك. كما أن حركة الكاميرا وإمكانات المونتاج ومدة الفيلم أمور تؤثر في الطبيعة النهائية للمنتَج.
ليس هذا تقليلًا من أهمية الأفلام، بل إن المتعة التي يشعر بها مشاهد الفيلم قد تكون أكبر من متعة القارئ؛ إذ إن الفيلم يقوم ببعض الوظائف بدلًا من القارئ؛ فالموسيقى ترسل إيحاءات للمشاهد تغنيه عن محاولة فهم ما يجري عبر تقليب صفحة وراء أخرى. كذلك فإن الأفلام بطبيعتها تدفع نحو الكسل الفكري حين تتنقل لقطاته بالمُشاهد من موقف إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى، بدل تشغيل أذهاننا لتخيل أحداث رواية ما.
هذه بعض الفروق بين الأفلام والروايات، وثمة فروق أخرى تتمثل في إضافات وتعديلات في بعض الأفلام بما يتناسب مع زيادة التشويق للمشاهدين لدرجة قد لا ترضي بعض مؤلفي تلك الروايات أو أنها قد تبهج البعض الآخر بما أضفته عليها من لمسات جميلة.
إذن فالنص السينمائي يتم إنتاجه لجمهور مختلف، وهو إبداع آخر مختلف عن الرواية، وإن اشتركا في اسم الكاتب الأصلي.
وأخيرا فإن ثمة من يرى الرواية مجرد فيلم يعرض على صفحات الورق، وأن الفيلم هو الرواية أمام شاشة كبيرة. ويمكن للفيلم أن يرتفع بمستوى الرواية إلى مستويات تفوق مستواها كرواية، وربما زاد من مبيعاتها، كما يمكنه أن يحط من هذا المستوى حتى يصبح نسخة مشوهة عنها.