صُنّاع العقول وروّاد القلوب... شكرًا لكم

ها هو العام الدراسي يطوي صفحاته الأخيرة، وتُرفع الأقلام، وتُعلن النتائج، فيفرح المجتهدون بما حصّدوه من ثمار الجد والاجتهاد... ويعمُّ الفرح في أروقة المدارس وبين دفاتر الذكريات.

لكن ثمّة وقفة لا ينبغي أن تمرّ مرور العابرين...

وقفة امتنان وتقدير، نرفع فيها قلوبنا قبل كلماتنا، لنقول لمن حملوا شعلة العلم، وأضاءوا بها عقول الأجيال: شكرًا لكم أيها المعلمون والمعلمات.

شكرًا لكم، وأنتم تغرسون الحرف الأول في ذاكرة الطفل، وتفتحون له أبواب الوعي، وترافقونه في رحلته من السؤال إلى اليقين، ومن التلقّي إلى الإبداع.

لقد كنتم بحقّ مصابيح هداية، لا تبخلون بعلمٍ، ولا تدّخرون جهدًا، تقدمون المعرفة بقلوبكم قبل كتبكم، وتراقبون نضج عقول طلابكم كما يراقب البستاني نمو الزهر.

لقد كنتم مصداقًا لقول رسول الله ﷺ:

”يجيء الرجل يوم القيامة وله من الحسنات كالسحاب الركام، فيقول: يا رب أنى لي هذا؟ فيقال: هذا علمك الذي علّمته الناس يُعمل به من بعدك.“ «1»

منكم تعلّموا أن التعليم ليس حفظًا جامدًا، بل تفكيرٌ حي، وتأملٌ خلاق، واستيعابٌ يُفضي إلى الفهم، كما قال أمير المؤمنين :

”من أكثر الفكر فيما تعلم أتقن علمه، وفهم ما لم يكن يفهم.“ «2»

منكم تعلّموا أن كل يوم يحمل معلومة جديدة، وأن الزمن لا ينتظر الكسالى... فكان شعارهم: ”يومٌ لا أتعلم فيه جديدًا... ليس من عمري!“

أنتم من غرستم فيهم احترام الوقت، والالتزام بالمواعيد، وفنّ إدارة الساعات كأنها كنوزٌ لا تُقدّر بثمن. علمتموهم أن من يُنفق دقائقه في البناء، يُشيّد بها مستقبله.

منكم تعلّموا أن الفراغ مفسدة، وأن النفوس لا تُربّى إلا بالعمل، فشجعتموهم على ملء أوقاتهم بالعلم والقراءة والتطوير الذاتي.

ومنكم استنشقوا عبير الأخلاق، فزرعتم فيهم الصدق والأمانة، والاحترام والتسامح، والمثابرة والرفق، وكنتُم لهم القدوة كما قال الإمام علي :

”عليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنيّة فإنها تضع الشريف وتهدم المجد.“ «3»

كنتم تزرعون فيهم الهمّة العالية، وتُهمسون في آذانهم: ”لا ترضوا بالقليل، لا تقبلوا بالضعف، ارتقوا دومًا.“

ولذلك قال أمير المؤمنين :

”كن بعيد الهمم إذا طلبت.“ «4»

وفي حكمةٍ أخرى له يقول :

”من بذل جهد طاقته، بلغ كنه إرادته.“ «5»

فيا من تعبتم في إعداد الدروس، وتحملتم صعوبات التعليم، وصبرتم على الأسئلة المتكررة، وضغوط التقييم...

لكم منّا كل الشكر، بعدد قطرات المطر، وألوان الزهور، وشذى العطور...

لكم الشكر على ما قدّمتم، وما غرستم، وما ستثمره أجيالٌ قادمة ستتحدث عنكم بكل فخر.

شكراً لك أيها المعلم... لأنك لم تكن موظفًا يؤدي واجبًا، بل كنتَ صانعًا للأمل، وناحتًا للوعي، ومهندسًا لبناء الإنسان.

1 ) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٧٤
2 ) غرر الحكم: ٨٩١٧.
3 ) تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ٢١٥
4 ) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٤ - الصفحة ٣٤٦٨
5 ) المصدر السابق، الصفحة ٣٤٦٩
أخصائي التغذية العلاجية