قراءة وخطر تضخم المعلومات

كما أن البحث عن وقلة المعلومات يمكن أن يؤدي إلى الجهل ويتسبب في قراءة جمة، فإن كثرتها وتضخمها يمكن أن يسبب أيضاً بشكل لا يؤثر عليها.

وقد بدأ تضخم المعلومات «التحميل الزائد بالمعلومات» التحول إلى مشكلة مع تزايد استخدام الإنترنت وزيادة حجم المحتوى الرقمي في العالم، وانتشار الأجهزة الرقمية لدى الناس، حيث تسعت رقعة القراءة «سطحية كانت أو عميقة» بعد أن كانت قبل عدة قرون خاصة بنخبة المجتمع، بل بنخبة النخبة، كما قالت عنها المؤرخ ألبرتو مانغويل في كتابه «تاريخ القراءة». تجربة لجامعة كاليفورنيا 2019م، لعامة الأفراد الذين يتعرضون لـ 34 غيغابايت من البيانات «100 ألف كلمة»، وهو ما يجعل القراءة فعالة والتي تعرفها سابقًا في خبر كان، في حين يكتفي الناس برؤوس وموجات ومختصرات لكل شيء دون استيعاب كامل لأي شيء! وهنا تبرز مشكلتنا مع هذه المعلومات الجزيرة؛ وهي أن أدمغتنا ترغب في تخزين كمية كبيرة من المعلومات «الضرورية منها وغير الضرورية»، وهو ما يزيد ثقلها، نقص ثَمَّ كفاءتها.

ويتسبب هذا الطوفان المعلوماتي كذلك في اكتساب درجة من الارتباط النفسي وضعف التركيز، وبناء على ساعات استخدام الإنترنت وتفعيل إشعارات التطبيقات والبريد الإلكتروني. ويجبر هذا الطوفان من ينضم معه دون الإلكترونيات إلى خلق حالة من عدم القدرة على القراءة المعمقة، مكتفية بقراءات سطحية أو بملخصات ومواجز للكتب، مع تقديرها ربما يكون يجب أن يقرأ جيدًا. فبدلًا من قراءة رواية طويلة من عدة مئات من الصفحات قد ملخصًا لها أو مشاهدة تويوتا مصورًا لها. وما يزيد من مستوى الارتباط الرقمي القصير في هذا الزمن التقافز ما بين أربعة أو خمسة تطبيقات، ومشاهدة مقطع مرئي أو فيلم، كل هذا خلال أقل من ساعة. والمشكلة هنا تكمن في أن الاعتياد على هذه الكتب مختصرة والمقاطع القصيرة جدًّا قادرة على خلق حالة من النفَس وقلة الصبر لديها من يجهزها، بحيث يصبح من الممكن جدًّا أن ينهي لاحقًا قراءة الكتاب.

وقد اختير حصريًا على الأصل الرقمي المتنوع، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، في حيرة حين تتواجد عليهم الأمور ولا أنشأ بين الفائقين والأكاذيب، وهو ما قد ينعكس لاسلبًا حتى على مصدر موثوق، في حين لا يصدقها الناس ويصلون إلى مرحلة تسمى الحيرة الفنية، أو ليصبح ليصبح أسارى لحالة يسمى ”الخوف من فوات شيء ما“ «فومو» «الخوف من فقدان الشيء»»، وحتى في هذه الحالة لا يوجد شيء حقيقي يمكن أن يفوتهم.

إن من يحرص على أن يكون فيلم ما هو سليم ومفيد فقط يقدم لتجربة متعبة؛ لأنه يجهد نفسه في انتقاء التصميم منها، محاولًا أن يكون إصدارًا جيدًا للنسخة المعدة مسبقًا لخطة معينة، ولا يأخذ كما قدر اهتمامه بالكيفية. هذا النوع من القراء هو المطلوب في أيامنا هذه، حيث يعتمدون على الكتب والمواقع والنصوص، ويتجاهلون ما هو أبعد من ذلك.

ختامًا؛ لا أحد يستطيع إجبار الجيل الجديد على نوع بعينه من القراءة؛ فالفضاء الأدبي أضحى مفتوحًا اليوم، وهو على بعد نقرة زر لا أكثر من بحر لامتناه من المعلومات، وما يجذب قارئًا عن آخر هو اختياره حسن لما هو جيد لإخراجه؛ لأن الوقت الذي يقضيه أحدنا في القراءة هو جزء من عمره الذي لا يستوعب سوى نسبة ضئيلة من المعلومات في الفضاء السيبراني. وبالتالي، كانت قراءة أحدنا سطحية قد غذى دماغه بالسطحي، وهو ما سينعكس على تحكمه وشخصيته، وإن لم تكن قراءته عميقة فقد غذاه بعمق منعكسًا أيضًا على التحكمه وشخصيته، والقرار في النهاية هو للقارئ.

*في بحر المعلومات اللامتناهي، لا يكون الأذكى من يعرف أكثر، بل من يعرف ما يستحق أن يعرف. ألفين توفيلر