المشاريع الإجتماعية ( بين النَّقدِ والصّدْ )

رائجةٌ هي العوامل المحيطة والوافدة التي تساهم في خلخلة البناء الإجتماعي ، وتؤدي بالضرورة إلى تهتّك نسيجه وتنافر أجزائه ، إضافة إلى التبدلات الداخلية في المجتمع ذاته بفعل التغير الديموغرافي ، وسيطرة الإعلام الإستهلاكي البغيض الذي تمرّس جيداً في تسطيح الوعي على مستوى الفرد والمجتمع ، وإنتعاش نمط " الأسرة النووية " على أنقاض نمط الأسرة الممتدة  التي كانت تمثل الجامعة المفتوحة لكل أفراد العشيرة ، حيث يتشربون بالقيم ، والعادات ، ويُلقّنون دروس الأخلاق ، ويخضعون إلى قوانين صارمة تساهم في تعزيز محددات سلوكهم بناءً على منظومة القيم السائدة في المجتمع ، وتدريبهم جيداً على ضبط النفس ، والتحكم في الرغبات الشخصية ، وتنظيم سلّم الأولويات من خلال تقديم المصلحة العامة على ما هو شخصي  وهو ما يسميه علماء الإجتماع " التنشئة الإجتماعية " أي تحويل الإهتمامات الخاصة إلى إهتمامات عامة ، قمعاً لنزوة الأنانية وحب الذات التي تفضي حتما إلى تنافر الكيمياء الإجتماعية بشكل أو بآخر.

 وعطفاً على جملة تلك العوامل والمتغيرات في البنى الإجتماعية والإقتصادية والتقنية ، فقد تحولت العلاقات الاجتماعية من التآلف والتناغم إلى التصادم والتنافر ، وقفزت بإمتياز الرغبة في تحقيق الذات على الحس الجمعي والشعور " بالنحن " حتى أنك بتَّ ترى أحدهم يطلق العنان لمزمار سيارته من خلف موكب جنازة أحد المؤمنين طالباً إفساح الطريق له ليعبر إلى وجهته دون أدنى إعتبار ، وعلى ذلك قس !!

  من وسط هذا الجو الإجتماعي المثير للغبار والأتربة تبرز على السطح مسألة إجتماعية هامة في إطار شبكة العلاقات الإجتماعية ، والموقف من المشاريع الإجتماعية ، والأُطر الفكرية من هذا " المربع الإجتماعي " أو ذاك . الأمر الذي قد ينقل وجهة النظر من إطارها النقدي إلى براثن الحقد المقيت الذي يُعبّر عنه بأشكال مختلفة من أعضاء النسق الإجتماعي المعترض . ومحاولة التقليل من تلك الإنجازات التي تم تحقيقها ، أو تجاهلها في أبسط الأحوال ، ومحاولة تحويل الحديث إلى موضوع آخر إن تصادف وجود أحدهم في محفلٍ يمتدح ذلك الإنجاز ، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر لا ينتمي لهذا المجتمع !! أو أن تلك الإنجازات ليست من المكتسبات المشروعة للمجتمع ، لأنها في نظرهم كاللقيطة الملقاة على قارعة الطريق ، فالبراءة منها أسلم !!

 إن الفهم الصحيح لعلاقة الإنسان بغيره له تأثيره العميق ، فالإنسان كائن اجتماعي لا يتحقق أمنه وسعادته إلا في إطار الجماعة بدءاً من الأسرة الصغيرة إلى المجتمع والأسرة الإنسانية ، حيث لا يمكننا تطوير العلاقة بين الأفراد من تصادمية إلى تناغمية ، ما لم نسلط الضوء على بعض الخصائص الفطرية ، فالإنسان حر ومبدع ، انفعالي وفاعل ومنفعل ، ويحتاج إلى التكريم وتأكيد الذات والرضى عنها ثم تقبل الذات وقبولها ، ولابد لهذه الخصائص جميعها أن تعطي استحقاقاتها وإلا فستزداد المسارات التصادمية ، وتتفشى الأمراض الذاتية والمجتمعية من النفاق إلى الكذب والأنانية والحقد وغيرها ، مما يحتم المسؤولية من قبل الكوادر الثقافية والنخب الفاعلة في حركة المجتمع لإعادة صياغتها ، فعليها تقاسم المسؤولية أملاً في إعادة تصويب الرؤى من المحدودة إلى البعيدة ، ومن السطحية إلى الثاقبة ، ولن يتحقق ذلك إلا بالوقوف أمام إشارات الاستفهام والإجابات عنها بمصداقية وواقعية ، ويتم ذلك في حال تعمقنا في معرفة خصائص ومكونات وقوانين تكشف ماهية علاقة الإنسان بنفسه وبمحيطه الإجتماعي والمادي ، فعند الصد تتعطل كل وجوه الإنصاف وتتوقف أية إمكانية للرؤية الواضحة ، وإلاّ فهل من مخرج آخر ... ؟ تحياتي ...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
علي المنصور
[ أم الحمام ]: 30 / 4 / 2010م - 3:02 م
الأستاذ: ابراهيم الشيخ :

جهودكم المستمرة في ملامسة قضايا المجتمع أثمرت و ستثمر بإذن الله في نشر الوعي الإجتماعي .
2
حسن محمد ال عباس
[ أم الحمام - القطيف ]: 30 / 4 / 2010م - 6:54 م
سلام عليكم استاذي ابوعلي

كلام رائع ماسطرت به واشرت اليه في المقال وحقيقتا نحن نعيش مثل هذا الواقع ولكن كثيرا من ثقافة الصد الان تذهب الى تلاشي طالما هنالك شفافيه وموضوعيه في فهمية الانجازات المحققه فيكون عندها بين ثلاث خيارات اولها التجاوب او التزام الصمت لانه ليس لديه مايقوله او الامر ثالث وهوه راجع لنفسه الذاتيه ومايحملها من حقد فلايتجاوب ولاحتى يلتزم الصمت كثيرا مانرى مثل ذلك

شدتني هذه الكلمات منكم ايظا

فعند الصد تتعطل كل وجوه الإنصاف وتتوقف أية إمكانية للرؤية الواضحة ، وإلاّ فهل من مخرج آخر ... ؟

فهذه تمثل مشكله حقيقه بالفعل !
استاذي الفاضل دام قلمك المعطاء ودمت لنا بالف خير
3
ابراهيم بن علي الشيخ
1 / 5 / 2010م - 1:28 م
الأخ الموفق : علي المنصور
أشكرك لإطلاعك ومتابعتك ، وحُسن ظنك بأخيك ، وتقبل تحياتي .
4
ابراهيم بن علي الشيخ
1 / 5 / 2010م - 1:36 م
الإبن العزيز : حسن بن محمد آل عباس
مداخلتك القيمة تنم عن وعيك بإفرازات الفكر الإجتماعي نحو قضية المقال ، ولق اعجبتني النظرية التفؤلية التي أبديتها حيال تلاشي ثقافة الصد تأسيساً على زيادة الوعي ‘ وسيادة الشفافية . أتنمنى لك التوفيق والسداد .
5
عابر سبيل
[ العربية - أم الحمام ]: 3 / 5 / 2010م - 12:44 م
االأستاذ/ إبراهيم الشيخ المحترم
يوم بعد يوم يتبادر إلى ذهني أنه بداء يشدد الخناق على ( الفكر المنكوس ) بعد ما كنت أشخصه فقط (بالفكر المنقوص ) طبعا تغير تشخيصي بعد أن بداء يكشر هذا الفكر عن سلاحه الجديد الفتاك وهو قلب الحقائق ومسح كل ما هو منجز لخدمة الناس من الذاكرة،طالما جاء عن طريق المغضوب عليهم وممنوع بل هو حرام أن يكرما فاعلوه أو حتى ينصف ممثلوه وهو يصرح بالصوت العالي كل ذلك كذب محض فهم لم يفعلوا ولم ينجزوا طبعا أنا أقصد بذلك ( الفكر المنكوس ) . ولكن .. و بفضل الجهود الخيرة والنيرة والمستقلة لرجال فكر الموقف في بلادي يا أستاذي الفاضل أبو علي .. سوف تنجلي الغمة عن هذه الأمة بإذن الله .

---------------------

عزيزي الأستاذ / إبراهيم الشيخ .. إن هذا (الفكرالمنكوس ) هو من زرع في بلادي الشك .. والشاك .. والمشكوك فيه .. حتى تخبطت مجاديف الفعل على سواحل القهر والتنقيص والتحقير والشك وكان غذاء هذا الزرع وشرابه هو فكر البسطاء واستغلاله في نشر سياسة الإقصاء والتصنيف العنصري عملا بقاعدة (إني أعلم ما لا تعلمون) فهوى الملهم والمسدد والمبعوث من قبل السماء لمقاومة هؤلاء المارقين من التبعية له والمنشقين عن طريقته المثلى والناكثين بيعة الولاء المطلق له طبعا أقصد ( الفكر المنكوس ) . المحترم أبو علي .. أصحاب هذا الفكر لا عزاء لهم بعد أن أبدلوا رواد مجالسهم العامرة من الخيرين الثقاة العاملين المؤمنين بالمنافقين الدجالين أصحاب القلوب المريضة.. وتحولت مجالسهم وثقافاتهم بعد حين من بث العلوم النافعة للمجتمع إلى بث الأمراض الضارة بالمجتمع والمحتمل في أغلب الضن في سبب ذلك هو حب الدنيا لأنه رأس كل خطيئة . حفظنا الله وحفظكم من كل ذلك ودمتم بصحة وعافية وجميع المؤمنين والمؤمنات .. تحياتي .
6
ابراهيم بن علي الشيخ
8 / 5 / 2010م - 2:18 م
الأخ الأستاذ : عابر سبيل
أعتذر بداية عن تأخير الرد لإنشغالي في العمل ، ولقد أثار تعليقك مجموعة من الرؤى التي كان محورها ( الفكر المنكوس ) وهذه هي رأس البلية التي تُضحك ، أن تتحول مجالس عرف عنها التوعية الشاملة إلى ساحات ومحاضن للتقليل من شأن الجهد البشري - كما ذكرت في تعليقك - على العموم لا يصح إلاّ الصحيح . المهم أن يعي الناس ذلك . شكراً لمشاركتك القيمة والجريئة . وتقبل أسمى تحياتي .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية